الجزائر: إقرار بفشل المسار السياسي ولا رؤية مشتركة للحل

الجزائر: إقرار بفشل المسار السياسي ولا رؤية مشتركة للحل

13 يونيو 2016
أعلن سلال أن الوضع صعب والعوائق حقيقية(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
أثار إعلان رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال، أخيراً، عن نظام اقتصادي جديد في الجزائر، واعترافه باستشراء الفساد والغش في كل القطاعات، وبخطورة الوضع الاقتصادي وغموض المستقبل بالنسبة للبلاد، جدلاً سياسياً وإعلامياً واسعاً في الجزائر. جاء هذا الإعلان، الذي استتبع بالتعديل الحكومي الجزئي يوم السبت الماضي، بعد تصريحات سابقة لسلال قبل أشهر، كان يؤكد فيها مع وزراء في الحكومة وقادة أحزاب الموالاة، أن الوضع مستقر وأن الجزائر خارج مسارات الأزمة التي تعصف بأسواق وأسعار النفط، وأن مدخرات البلاد ستكون كافية لتغطية أية صدمة أو أزمة اقتصادية، واتهام قوى المعارضة التي كانت تحذر من أفق الأزمة النفطية، بالعقوق السياسي والخروج عن حالة ما تعتقد السلطة أنه إجماع وطني.
لكن الوقائع على الأرض كانت مغايرة تماماً للخطاب السياسي الرسمي المطمئن، فخلال أقل من سنتين، خسرت الجزائر نحو نصف احتياطاتها من الصرف، إذ كانت في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014، تبلغ 198 مليار دولار أميركي، لتتراجع إلى حدود 109 مليارات دولار بحسب ما أعلن عنه سلال الأحد الماضي في اجتماع ثلاثي جمع الحكومة برجال الأعمال والنقابات العمالية، وهو ما ينبئ بمستقبل غامض بالنسبة للجزائر، في حال استمرت تداعيات أزمة النفط خلال العام الحالي. إذ يمسك النفط بعنق الاقتصاد الجزائري، وتعتمد الجزائر على عائدات النفط بنسبة 98 في المائة، وتستورد أغلب احتياجاتها الغذائية والخدمية والصناعية من الخارج، وتُعد خامس أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، إضافة إلى استيرادها بقيمة ملياري دولار من الأدوية، في مقابل ضعف مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى كالصناعة والزراعة والسياحة في الدخل القومي، وإخفاق الحكومات المتعاقبة منذ عام 1999 في إنعاش أي من هذه القطاعات.

وأمام هذه المعطيات، وجدت الحكومة الجزائرية نفسها أمام أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة، بدأت بعض تداعياتها تلوح في الأفق من خلال الحراك الاحتجاجي والمطلبي، وهو ما دفعها إلى الاعتراف بواقع الأزمة، مع تأكيد رئيس الحكومة الأحد أن "تراجع أسعار النفط السريع والحاد منذ سنتين، وما صاحبه من تقلّص مواردنا المالية بأكثر من نصف، يعني أن الوضع صعب والعوائق حقيقية والغد غامض، إلا أن الجزائر تقاوم جيداً". هذا الاعتراف جاء مع سلسلة من التدابير الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الأزمة، كطرح القرض السندي الذي يتيح للمواطنين إقراض الحكومة، وإلغاء عدد من المشاريع والبرامج المتعلقة بالبنية التحتية، وخفض واردات البلاد، والسعي للاعتماد على قطاعات حيوية بديلة عن النفط كالسياحة والصناعة، لكنها مساعٍ تصطدم في الجزائر بثقل الماكينة الإدارية وتجمّد الذهنيات السياسية المحلية إزاء خطط الحكومة.
وتعتقد قوى سياسية أن تصريحات سلال، هي اعتراف بفشل مسار سياسي خاطئ وسياسات اقتصادية عنيفة أهدرت خلال 15 سنة الماضية مقدرات مالية كبيرة، بلغت بحسب التقديرات الرسمية 600 مليار دولار، وفوّتت على البلد إمكانية التطوّر الاقتصادي والاجتماعي، وزادت من حجم المشكلات الاجتماعية، بما فيها التي تعدّ بالنسبة للجزائريين مشكلات مزمنة كالسكن والعمل والبنية التحتية. وبحسب رئيس حركة "مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، عبد الرزاق مقري، فإن "إعلان الحكومة عن منظومة اقتصادية جديدة هو إعلان عن فشل المنظومة السابقة وعدم تحمّل للمسؤولية من المتسببين في هذا الفشل منذ الاستقلال وحتى اليوم"، مضيفاً أنه "مع غياب الحوكمة والحكم الراشد لن ينجح أي إصلاح اقتصادي، وذلك من خلال غياب مؤشرين رئيسيين وهما الرقابة والشفافية".
وفيما تدافع أحزاب السلطة عن الخيارات السياسية والاقتصادية التي تنتهجها السلطة، على الرغم من النتائج المخيبة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من دون تقديم أية بدائل جدية، تطرح قوى المعارضة خيارات أخرى، تبدو بالنسبة لها متاحة في الأفق لإخراج البلاد من أزمتها. وفي هذا السياق، يعتقد مقري أن "أرضية مزفران التي انتهى إليها اجتماع المعارضة في يونيو/حزيران 2014، تشكّل تصوراً واقعياً قابلاً للتطبيق، ونحن نتوقع أن تحتاج الجزائر لهذه الوثيقة في مراحل مقبلة، ونحن مُطالبون بتفعيل هذه الوثيقة والدفاع عنها بطرق متعددة ومتنوعة حتى تُفهم فهماً كاملاً"، خصوصاً ما يتعلق بفتح قنوات حوار مباشرة بين السلطة والمعارضة للتوصل إلى وفاق سياسي وطني يضمن مشاركة الجميع في التوصل إلى حلول ومخرجات للأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية. هذا الطرح تزكّيه حركة "الإصلاح الوطني"، التي تدعو إلى توافق سياسي الوطني وحوار من أجل تجاوز المعضلات التي تعيشها البلاد. وقال رئيس الحركة فيلالي غويني أن "لا حل للمعضلات التي تتخبط فيها البلاد إلا بالجنوح إلى التوافق السياسي الوطني ومباشرة حوار تفاوضي لا يُقصي أي طرف".
وبات توصيف الحالة الجزائرية مشتركاً بين السلطة والمعارضة، لكن الإجماع على وجود أزمة خانقة، لا يقابله إجماع على تصوّر للخروج منها، إذ يفصل هامش كبير بين اعترافات السلطة بواقع الأزمة والمخرجات التي تطرحها المعارضة، مع استمرار غياب الثقة بين السلطة والمعارضة، وهو وضع يرى المحلل السياسي نصر الدين بن حديد أنه مرتبط بتراكمات سابقة، على الرغم من أن بعض قوى وشخصيات المعارضة نفسها كانت جزءاً من منظومة الحكم في وقت سابق.