حملات الاعتقال في الساحل السوري: بحث عن مجندين جدد

حملات الاعتقال في الساحل السوري: بحث عن مجندين جدد

15 ديسمبر 2014
استنزاف قوات النظام مع استمرار القتال (فرانس برس)
+ الخط -

لم يوقف الهدوء النسبي الذي تشهده جبهات القتال في ريف اللاذقية، حملات الاعتقال التي تشنها قوات النظام السوري ضد الشبان في مناطق الساحل السوري، فالقتال العنيف المستمر بشكل يومي في معظم مناطق البلاد بين قوات النظام وقوات المعارضة، أدى إلى استنزاف الأولى بشكل كبير بعد قرابة أربعة أعوام من الحرب في سورية، مما دفع النظام للبحث عن مجندين جدد من سكان المناطق التي يسيطر عليها لزجهم في القتال ضد المعارضة.

وعلى الرغم من أن بعض أبناء العائلات السورية النازحة باتجاه مدينتي اللاذقية وطرطوس وأريافهما اختاروا التطوع في صفوف القوات الموالية للنظام السوري، بسبب البطالة المنتشرة في أوساطهم، إلا أن ذلك لم يمنع قوات النظام من مواصلة حملات الدهم والاعتقال في مدن وبلدات الساحل السوري، إذ شنت في مطلع الشهر الماضي عدة حملات اعتقال في مختلف أحياء مدينة اللاذقية ومدينتي جبلة وبانياس، طالت عشرات الشبان من سكان هذه المناطق، ليتم توقيفهم في فروع الاستخبارات السورية قبل نقلهم إلى مراكز التدريب التابعة للجيش السوري وقوات الدفاع الوطني التي تم تشكيلها مع انطلاق الثورة في سورية بهدف قتال قوات المعارضة.

وشنّ النظام أخيراً عبر قوات الدفاع الوطني المعروفة محلياً باسم "الشبيحة" وقوات تابعة لأجهزة الاستخبارات، حملة دهم واعتقالات واسعة في مدينة جبلة أكبر مدن ريف اللاذقية، أدت إلى اعتقال العشرات من الشبان سكان أحياء الفيض والدريبة والعزي وسط المدينة، ومن شبان العائلات النازحة إلى المدينة من المناطق المشتعلة شمالي البلاد.

واعتقلت قوات النظام في حملتها الأخيرة خمسين شاباً على الأقل، بحسب الناشط معتز عمر، الذي يوضح لـ "العربي الجديد" أن حملات الاعتقال في جبلة ومختلف المدن والبلدات الساحلية التي يسيطر عليها النظام، تهدف لسحب الشبان القادرين على حمل السلاح إلى الخدمة في قوات النظام بشكل إجباري، من دون النظر إلى الأوضاع القانونية الخاصة بالشبان الذين يتم اعتقالهم، ذلك أن معظم هؤلاء يواصلون دراستهم الجامعية وبالتالي يوجب القانون السوري تأجيل خدمتهم في الجيش لحين إنهائها.

وليست أعداد هؤلاء النازحين إلى مناطق الساحل السوري بالقليلة، إذ تتحدث مصادر في منظمة الهلال الأحمر السوري لـ "العربي الجديد" عن تقديم المنظمة معونات غذائية ومعيشية لأكثر من 750 ألف نازح في محافظة اللاذقية وحدها على مدار السنين الثلاث الماضية، في مقابل تقديمها معونات لأكثر من 400 ألف نازح في مدينة طرطوس وريفها.

ويوضح عمر أن حملات الاعتقال التي تشنها قوات النظام في مدن وبلدات الساحل السوري تكون في العادة مؤلفة من مجموعات من قوات "الشبيحة"، والتي يقودها سامر خازكية الذي خلف القائد السابق لقوات الدفاع الوطني في الساحل السوري هلال الأسد، ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، والذي أعلنت وسائل الإعلام الموالية للنظام مقتله في الصيف الماضي، إبان الاشتباكات التي نتجت عن تقدّم قوات المعارضة السورية في منطقة كسب الجبلية شمال مدينة اللاذقية في شهر أبريل/نيسان الماضي.

ودفعت حملات الاعتقال المستمرة مع تردي الظروف المعيشية وانتشار البطالة، الآلاف من الشبان وعائلاتهم من سكان الساحل السوري ومن النازحين إلى مناطقه، للهجرة إلى تركيا، سالكين الطريق البحري الذي تشغّله بواخر لنقل الركاب تعمل بشكل منتظم بين ميناءي اللاذقية وطرطوس السوريين وميناء مرسين التركي.

ويروي سامر عبد الكريم، وهو مهندس بحري يعمل في إحدى بواخر نقل الركاب بين سورية وتركيا، تفاصيل عملية الهجرة المستمرة من الساحل السوري باتجاه تركيا، موضحاً أن "ثلاث رحلات تنطلق أسبوعياً بين ميناءي اللاذقية وطرطوس السوريين وميناء مرسين التركي، بواقع رحلتين من اللاذقية أسبوعياً ورحلة واحدة من طرطوس، تحمل الرحلة الواحدة ما يناهز الخمسمئة راكب، معظمهم من الشبان الراغبين بالهجرة نحو الدول الأوروبية والذين يتخذون من تركيا طريق عبور لهم"، مضيفاً "كما تحمل الرحلات أيضاً عائلات ضاقت بها سبل الحياة في مدن الساحل السوري فقررت التوجه نحو تركيا بحثاً عن ظروف أفضل".

ويشير عبد الكريم في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن "رحلات العودة من تركيا إلى سورية تكون شبه خالية من الركاب، إذ لا يعود إلى سورية إلا أعداد قليلة ممن امتهنوا تجارة المواد الغذائية والمنظفات والمواد الأساسية الأخرى كالإسمنت والطحين بين سورية وتركيا، ذلك أن السوق السورية في مناطق الساحل السوري باتت تعتمد على نحو كبير على المنتجات التركية".

وتشهد جبهات القتال بين قوات النظام والمعارضة هدوءاً نسبياً في ريف مدينة اللاذقية، إذ تسيطر قوات المعارضة على معظم مناطق جبلي التركمان والأكراد، في مقابل احتفاظ قوات النظام بالسيطرة الكاملة على الشريط الساحلي والمدن والبلدات الممتدة عليه، وعلى مناطق ريف اللاذقية الشمالية الجنوبية وصولاً إلى قمة النبي يونس قرب مدينة القرداحة مسقط رأس الأسد.

وتنتشر في مناطق سيطرة قوات المعارضة السورية في جبال اللاذقية في مناطق ربيعة وكنسبا وبداما ومحيطها، عدة تشكيلات تابعة لـ "الجيش السوري الحر"، كلواء العاديات واللواء العاشر واللواء الأول مشاة، مع قوات تابعة لفصائل إسلامية كـ "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" وحركة "شام الإسلام".

وكانت قوات النظام قد أجبرت المعارضة على الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها شمالي مدينة اللاذقية في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين، ليستعيد النظام السيطرة على معبر كسب الذي يصل محافظة اللاذقية بالأراضي التركية ومدينة كسب والمنفذ البحري الوحيد الذي سيطرت عليه المعارضة حينها.

وشهدت جبهات القتال بين الطرفين حالة مراوحة منذ مطلع الصيف الماضي، باستثناء اشتباكات متقطعة تندلع بين الحين والآخر على خطوط التماس في المناطق الجبلية، مع محاولة قوات النظام التقدم على محاور الاشتباك الرئيسية، كمحور مرصد إنباته الاستراتيجي الذي حاولت قوات النظام التقدم منه نحو مناطق سيطرة قوات المعارضة الشهر الماضي، قبل أن تجبرها قوات المعارضة على الانسحاب.

المساهمون