استقالة كرامب ـ كارنباور تهدّد مستقبل حزب ميركل

استقالة كرامب ـ كارنباور تهدّد مستقبل حزب ميركل

12 فبراير 2020
فشل رهان ميركل على كرامب ـ كارنباور(أود أندرسن/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت أزمة انتخابات ولاية تورينغن الألمانية عن معضلة داخل حزب المستشارة أنجيلا ميركل، المسيحي الديمقراطي، نتيجة الإرباك بين زعامة الحزب ومنصب المستشارية وتعنّت بعض مسؤوليه واعتراضاتهم في مختلف الولايات. وهو ما تُرجم بإعلان خليفتها في زعامة الحزب أنغريت كرامب ـ كارنباور الاستقالة من منصبها في المرحلة المقبلة، لتزداد المشاكل لدى ميركل. يأتي ذلك بعد أن أثبتت كارثة تورينغن أن ميركل لا تزال تمسك بزمام الأمور في الأزمات الحزبية، وهي التي تحارب من أجل صورة حزبها وتحاول التقارب مع الاشتراكي من أجل الحفاظ على الائتلاف الحاكم وخوفاً من إسقاط ولايتها الرابعة على رأس المستشارية، بعدما أثرت الأزمة بشكل ملموس على السياسة الفدرالية.

هذا الصراع كان متوقعاً، مع تزايد الخلافات داخل صفوف الحزب، خصوصاً أن المعطيات تفيد بأن كرامب ـ كارنباور ارتكبت أخطاء استراتيجية وتكتيكية، ما زاد الأمور تعقيداً، وهو ما أشار إليه الباحث السياسي في جامعة ماينز يورغن فالتر في حديث مع صحيفة "بيلد". ورأى فالتر أن كرامب ـ كارنباور لم تملك الدعم والمكانة والحزم الضرورية. ولفت إلى أن انسحاب زعيمة المسيحي الديمقراطي سيكون مراً على المستشارة التي رتبت عملية تنصيبها على رأس قيادة الحزب لتخلفها لاحقاً في المستشارية. لكن الضغط على كرامب ـ كارنباور كان كبيراً من سياسيي حزبها، فضلاً عن عدم تمتعها بالشعبية لدى الناخبين، ما أدى لانسحابها. في هذا السياق، اتضح أن فقدان السلطة عند كرامب ـ كارنباور لم يأتِ من ضربة واحدة، وأن محاولات ميركل التفريق بين منصب المستشارية وزعامة الحزب لفترة انتقالية فشلت.

من جهة أخرى، فإن ضعف سلطة كرامب ـ كارنباور وافتقارها إلى السيطرة على المعترضين في حزبها، أمثال مسؤول ولاية تورينغن مايك موهرينغ، مقابل قوة شخصية ميركل ورزانتها، مثّلا خطورة على ترشحها لمنصب المستشارة، لأن إرث حقبة ميركل كان مثقلاً من الناحيتين الإيجابية والسلبية. وكما هو معروف فإن المستشارة ظلت تقاتل من أجل سمعة حزبها منذ فترة طويلة لجعله ليبرالياً اجتماعياً، حسبما ذكرت صحيفة "دي تسايت".

يأتي ذلك بالتزامن مع المعلومات التي تفيد بنية زعيم الحزب الشقيق، المسيحي الاجتماعي البافاري، ماركوس سودر الترشح لمنصب المستشار، وهو ما سيشكل مفتاحاً لمواجهة ضمن الاتحاد المسيحي. كما قد يعود إلى الواجهة من جديد اسم منافس كرامب ـ كارنباور السابق على زعامة الحزب فريدريش ميرز لتولي المنصب، مع كل ما يحكى عن عدم الانسجام الكلي مع طروحات المستشارة ميركل للجمهورية الاتحادية والإصلاحات الأوروبية وقضية اللاجئين.
في المقابل، أبرزت التحليلات أن ميركل هي من وضعت حداً لتجربة خليفتها بعد أن تدخلت بشكل مباشر من أجل وضع حداً لخطأ تصويت نواب حزبها في انتخابات رئاسة حكومة تورينغن والفضيحة التي تسببوا بها لحزبهم. في حين كانت هناك تبريرات لذلك، وهي أن خطوتها أنقذت الائتلاف الحاكم في ظل الاعتراض القوي الذي خاضه الاشتراكي بوجه المسيحي الديمقراطي وزعيمته كرامب ـ كارنباور واتهامها بأنها أساءت إدارة الأزمة، ولم يكن بوسع الأخيرة القيام بما قامت به المستشارة. حتى أنه وفق ما ذكرت صحيفة "هاندلسبلات" فإن ميركل قامت بالاتصال بمرشح حزب اليسار، الأقوى في الولاية، بودو راميلو، ما عزز الانطباع بأنها مستعدة لإعادة الرجل إلى منصبه، ومتجاهلة قرارات عدم التوافق داخل حزبها، لأن همها في الوقت الحالي احتساب المخاطر المرتبطة بإنهاء التحالف فقط.

في خضم ذلك، لم تتأخر صحيفة "بيلد" في توجيه الاتهام لميركل عما حلّ بحزبها، وبأن الأخيرة ما زالت تعتبر نفسها زعيمة الحزب، وهي التي أمرت نواب حزبها "بالتراجع" عن نتيجة انتخابات تورينغن. ولم تتوان عن القول إن ميركل خلقت خلفاً مخادعاً، إذ لا ينبغي أن تتفوق كرامب ـ كارنباور عليها، ويكون لها مطلق القوة والصلاحية لإصلاح الأضرار التي سببتها ميركل في حزبها المسيحي الديمقراطي، مع غياب المهارات اللازمة لدى كرامب ـ كارنباور وافتقارها لتدوير الزوايا.

لكن في النهاية تعتمد المسألة على المدة التي سيستغرقها المسيحي الديمقراطي لاختيار مرشح لمنصب مستشار وزعيم للحزب، وتشير التقارير إلى إمكانية تقريب المؤتمر العام المقرر في ديسمبر/كانون الأول المقبل. وكل ذلك يبقى مرتبطاً بمقدار الدعم الذي تحظى به ميركل داخل المسيحي الديمقراطي، لا سيما من قبل مسؤولي ولايات شرق ألمانيا، وميركل تفكر قبل كل شيء في منصب المستشار، بعدما بات واضحاً أن طيف "البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف، يشكّل أكبر مشكلة للمسيحي الديمقراطي نتيجة سياسات ميركل وفق تقديرات البعض.

وهذا إن دلّ على شيء، فهو أن قيادة المسيحي الديمقراطي في برلين مضطرة للتعامل مع معضلة المقاومة العنيدة في الاتحادات الإقليمية للحزب، وأن الاستياء سيزداد كلما شعروا بالتدخل من السلطات العليا في برلين. وعليه، يتعين على المستشارة أولاً لملمة الأضرار الهائلة التي لحقت بحزبها، جرّاء ما حُكي عن تواطؤ مع "البديل لأجل ألمانيا" في تورينغن، بعد أن قلّل الأمر من مصداقية الحزب على مستوى البلاد وبات فهم كوادره للديمقراطية على المحك، وليبقى الحديث عن الأزمات السياسية الفدرالية متوقعاً ولا مفرّ منه، مع ما تظهره من واقع قدرة "البديل لأجل ألمانيا" على التحكم في بعض المفاصل السياسية في البلاد وهو ما يجمع عليه العديد من المراقبين.

يأتي كل ذلك بعدما كانت قد نمت قاعدة سلطة "البديل" إثر الانتخابات في 3 ولايات شرقي البلاد نهاية العام الماضي، وجعلته خصماً قوياً. وكان لافتاً ما ذكرته "دي تسايت" أخيراً، عن رئيس كتلة "البديل"، ألكسندر غاولاند، مشيرة إلى أن حزبه سيصوّت ببساطة لمرشح حزب اليسار بودو راميلو، عند ترشحه من جديد لرئاسة الحكومة في تورينغن، وربما لإغراقه في معضلة سياسية. ما يشير إلى أن "البديل لأجل ألمانيا" يسعى إلى تنفيذ مناورات تخريبية لخلق نوع من الاضطراب السياسي في برلمانات الولايات الشرقية التي كانت تعتبر هامشية.

المساهمون