انتقادات لماكرون وسياسته الكلامية على وقع أزمة كورونا

انتقادات لماكرون وسياسته الكلامية على وقع أزمة كورونا

19 مارس 2020
غضب في أوساط القطاع الصحي من ماكرون (فرانس برس)
+ الخط -
لا يكف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ بدء انتشار وباء كورونا، عن التوجه إلى المستشفيات الحكومية لشكر العاملين فيها على الجهود التي يقومون بها بوصفهم يشكلون خطّ الدفاع الأول أمام الأزمة الصحية التي تعصف بالبلد. ولن تكون الزيارة التي قام بها، بشكل مفاجئ، أمس الأربعاء، إلى مستشفى ابن سينا في ضاحية بوبيني، شمال شرق باريس، آخر هذه الزيارات؛ فالرئيس يحب أن يظهر بمظهر من ينشر الطاقة الإيجابية ويقدس العمل، كما أنه يجيد فن الكلام الجميل، إن كان في زياراته الميدانية، أو في خطاباته المتلفزة.

لكن كثيراً من الفرنسيين، وخصوصاً المشتغلين في القطاع الصحي، يأخذون على الرئيس اكتفاءه بالشكر الكلامي، وبالخطابات المنمّقة والبلاغة، على حساب الأفعال التي ينتظرها هؤلاء منه.

وآخر المنتقدين جان بول هامون، رئيس رابطة الأطباء الفرنسيين، الذي صب نار غضبه على الحكومة، في حوار مع صحيفة "لوباريزيان"، نشرته اليوم الخميس. وقال هامون، الذي أصيب بعدوى كورونا: "لا بدّ من محاسبة إدارة (البلد)"، مطالباً بتشكيل لجنة تحقيق لـ"معرفة كيف أمكن ترك فرنسا هكذا بلا حماية".

وأدان هامون غياب المعدات اللازمة لوقاية الأطباء، لا سيما الكمامات، التي أشار إلى أن القطاع الصحي في البلد بحاجة إلى مليونٍ منها يومياً. وقال: "أتمنى أن تكون الحكومة قد فهمت أهميّة وجود نظام صحي متماسك. أتمنى ذلك حقاً".

ويعبّر هامون، في كلامه هذا، عن نقمة القطاع الصحي وقطاعات أخرى على سياسات الرئيس الفرنسي الذاهبة منذ ثلاث سنوات، في رأيهم، نحو تدمير لمؤسسات الدولة وخدماتها في مختلف القطاعات، بحجة أنها تكلف "مبالغ لا تصدّق"، كما سبق لماكرون أن قال في عام 2018.


وعلى سبيل المثال، فقد شهد عام 2018 هذا إغلاق أكثر من 4 آلاف سرير "استشفاء كامل" في المستشفيات الحكومية، في حين طلبت الحكومة من المستشفيات العامة توفير أكثر من 700 مليون يورو من ميزانيتها لعام 2020.

وكانت هذه السياسات "الإصلاحية"، المترافقة مع دفع للبلد نحو الخصخصة في كثير من القطاعات، قد دفعت حشوداً من الفرنسيين للخروج إلى الشارع في الأشهر الماضية، وإلى تنفيذ إضرابات لم يشهدها البلد منذ عقد على الأقل. وكان القطاع الصحي، المنهك أساساً قبل أزمة كورونا، على رأس المضربين والرافضين لسياسات ماكرون، حيث دام إضراب أقسام الإسعاف في بعض المستشفيات 6 أشهر.

وبسبب كل هذا، فإن المشتغلين في القطاع الصحي صُعقوا دهشةً وهم يرون رئيسهم، في الأيام الماضية، يكيل المدائح للنظام الصحي والمؤسسات والخدمات العامة ودورها الأساسي في مواجهة أزمة كورونا.

وفي تعليق على خطاب للرئيس، أدلى به يوم 12 مارس/آذار، وأشاد به بالقطاع الصحي وبالمشتغلين فيه، قال الطبيب لوران تين، وهو جراح أعصاب معروف إعلامياً، إن "ماكرون يكتشف الإنسانوية وأهمية الحماية الاجتماعية والمستشفيات العامة". وأضاف تين: "كثيرٌ من الكلام المنمّق والجميل، لكن ماذا عن إعلان حالة الاستعداد القصوى للتخفيف عن المستشفيات؟ وماذا عن خطة إنقاذ المستشفيات التي يُطالَب بها منذ 10 أشهر؟".

وبعد هذا الخطاب بأربعة أيام، عاد ماكرون، يوم الإثنين الماضي، ليشكر في خطاب جديد الأطباء والممرضين على تضحياتهم، وليقول إن البلد يعيش حرباً صحية، مكرراً هذه العبارة أكثر من مرة، وواعداً بتقديم مساعدات للمستشفيات وللعاملين في القطاع الصحي، من بينها إنشاء مستشفى عسكري ميداني في مدينة ميلوز (شرق) - التي لم تعد مستشفياتها قادرة على استيعاب مرضى جدد - وتوزيع كمامات واقية، ووضع فنادق وتكاسي تحت تصرفهم.


وإذا كان خبر إنشاء المستشفى الميداني قد أثلج صدور الأطباء والممرضين العاملين في ميلوز ومنطقة الشرق الكبير عموماً، إلا أن أكثر الذين علقوا على كلمة ماكرون أبدوا عدم رضاهم على استمراره في سياسته الكلامية دون الإعلان عن تدابير ملموسة وفورية.

ونشرت إحدى الممرضات صورة لها وهي تضع كمامة قماشية وتحمل بين يديها ورقة كُتب عليها "أنا محاربة أرسلوها إلى الجبهة من دون سلاح". واستخدم التعبيرَ نفسه عدد من الأطباء والممرضين. وقال أحدهم لموقع "فان مينوت"، وهو طبيب أسنان جراح، إن "الحكومة تنصحنا باستخدام كمامات واقية من طراز FF2P، لكن لا وجود لهذه الكمامات. أحس بأنني جندي جرى إرساله إلى الجبهة من دون سلاح. نحن خط الدفاع الأول لكننا بلا حماية".