رسائل سلال: نفي وقائي للطموح الرئاسي وتطويق الخلافات الحكومية

رسائل سلال: نفي وقائي للطموح الرئاسي وتطويق الخلافات الحكومية

23 اغسطس 2015
دخول السباق مبكراً لا يصب في مصلحة سلال(فرانس برس)
+ الخط -

كمن يدفع عن نفسه تهمة سياسية سابقة لأوانها، نفى رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، قبل يومين، وجود أي طموح لديه لتولي منصب الرئاسة خلفاً للرئيس الحالي، عبدالعزيز بوتفليقة. كما نفى وجود أي انقسام أو مشاكل داخل الفريق الحكومي في شأن بعض القضايا والقرارات، التي أثارتها تقارير إعلامية.

لم يسأل أحد رئيس الحكومة الجزائرية عن نيّته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في عام 2019، على خلفية بدء التنافس السياسي التمهيدي، المرتبط بالسباق على الرئاسة، وردّاً على تقارير وتحاليل سياسية دفعت به كمرشح بارز للرئاسة بعد نهاية ولاية بوتفليقة في عام 2019، أو في حال إجراء انتخابات مبكرة.

لكن يبدو أنّ سلال استدرك أنّ دخول مضمار السباق الرئاسي مبكراً لا يصب في مصلحته. وهو ما دفعه للقول، يوم الجمعة الماضي، في مؤتمر في مدينة قسنطينة شرقي الجزائر: "ليس لدي طموح شخصي، طموحي وطموح الحكومة هو تنفيذ برنامج الرئيس بوتفليقة. يبقى الرهان الأكبر بالنسبة للحكومة بناء الاقتصاد". وحرص سلال على التأكيد على أنّ "الجزائري اليوم يحتاج إلى تحقيق التطور ولا يمكنه أن يعود إلى حالة الفقر ولن يعود".
يدلّ هذا التصريح على تجديد سلال الولاء لبوتفليقة، الذي لم يحسم بعد خياره السياسي ورهانه على وريثه، وخصوصاً أن الرئيس الجزائري يعمل حالياً على تحضير وريث سياسي، يكون أميناً على إرثه السياسي.

التقارير المتعلقة بمسألة الترشح للرئاسة ليست وحدها ما يزعج سلال، إذ كثر الحديث عن وجود خلافات بين الوزراء في الفريق الحكومي، وتنصّل بعض الوزراء من مبدأ التضامن الحكومي، ومهاجمتهم بطريقة غير مباشرة، زميلتهم في الحكومة، وزيرة التربية، نورية بن غبريط، على خلفية إقرارها التعليم باللغة العامية في السنوات التعليمية الأولى.
وتنصّل الوزراء التابعون لحزب "جبهة التحرير الوطني" وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" من قرارات وزيرة التربية، ورفضوا التضامن معها إزاء الحملة الإعلامية والسياسية، التي شُنّت ضدها واتهامها باستهداف اللغة العربية في المدارس.
كما شنّت حملات سابقة ضد وزير التجارة السابق، عمارة بن يونس، بعد إقراره تحرير تجارة الخمور. وهو الذي اضطر سلال يوم الجمعة أيضاً إلى نفي أية خلافات بين الفريق الحكومي، قائلاً إنه "ليست هناك انشقاقات ولا مشاكل في الحكومة، أؤكد لكم ذلك، وأؤكد على وحدة وتناسق الحكومة الجزائرية تحت سلطة واحدة هي سلطة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة".

اقرأ أيضاً: رئيس الحكومة الجزائرية ينفي طموحه لخلافة بوتفليقة في الرئاسة

لكن سلال لم يعلن أي موقف يوحي بتضامنه مع وزيرته، التي تدير قطاع التربية، والتي أثار قرارها موجة من الجدل والنقاش الإعلامي في الجزائر، وهددت النقابات بموجبه بشلّ العام الدراسي. ذهب سلال في الاتجاه المعاكس، إذ اعتبر أن قرار الوزيرة ليس قرار دولة. وحسم الجدل القائم قائلاً إنّ "اللغة العربية مرجعية دستورية ومبدأ تم الفصل به نهائياً، إلى جانب اللغة الأمازيغية، التي تعتبر لغة ينبغي تطويرها وتعميمها في إطار تحصين الوحدة الوطنية، ويجب عدم الخلط بين اقتراحات واجتهادات تربويين وأساتذة وبين قرارات الدولة".

وأضاف رئيس الوزراء أنّ "هذا الخيار ليس سيادياً فحسب، بل يندرج في إطار مبادئ دستورية تم الفصل بموجبها نهائياً عن الهوية والشخصية الوطنية، وموقف الرئيس بوتفليقة واضح بالنسبة لهذا المبدأ". ودعا سلال القوى السياسية إلى عدم تسييس القضايا المتصلة بالمدرسة، قائل:"ليس من مصلحة أيٍّ كان تسييس النقاشات وإخراجها عن سياقها التربوي والثقافي".

وفي تعليقه على مواقف رئيس الوزراء، يعتبر الناشط السياسي، عبد الوكيل بلام، في حديث مع"العربي الجديد"، أنّ "سلال، يحاول من خلال إعلان نيّته عن عدم ترشحه للرئاسة، أن يعطي انطباعاً أنه غير معني بالسباق الرئاسي، كونه لا يزال يشكّك في إمكانية أن يحظى بالدعم الكامل من قبل بوتفليقة ومحيطه السياسي". ويشير بلام إلى أنّ موازين القوى السياسية لم تتضح بعد، وخصوصاً أنّ الجزائر على بعد مسافة أربع سنوات من الاستحقاق الرئاسي، في حال تمّ في موعده، لافتاً إلى أنّ كل طرف سياسي لم يرسم بعد رهانه على خليفة بوتفليقة، ولا سيما أنّ المؤسسة الضاغطة، كالجيش، لم تحسم خيارها أيضاً.

من جهته يرى المتحدث باسم "حركة النهضة"، محمد حديبي، في حديث مع"العربي الجديد"، أنّ سلال لم يحاول أن يطلق مواقف تبدو لصالح التيار المحافظ، في ما يتعلق بالموقف من اللغة العربية كما فعل سابقاً في قضية تجارة الخمور"، موضحاً أنها "مواقف يستجدي بها دعم التيار الإسلامي المحافظ في مواجهة سياسية محتملة مع غريمه المحتمل، أحمد أويحيى، الذي يبدو أقرب إلى التيار العلماني التقدمي".

اقرأ أيضاً: صراع الرئاسة والاستخبارات الجزائرية... معركة كسر عظم