الجزائر: صراع ثلاثي وأحلاف استعداداً لمرحلة ما بعد بوتفليقة

الجزائر: صراع ثلاثي وأحلاف استعداداً لمرحلة ما بعد بوتفليقة

26 يوليو 2015
يهادن سلال الإسلاميين أخيراً (فرانس برس)
+ الخط -
يرسم تزامن التعديلات الحكومية في الجزائر مع تشكّل مشهد سياسي يوحي بصراع بدأ بين أقطاب الحكم حول من يحكم الجزائر بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تتقاسمه ثلاث شخصيات على الأقلّ، هي رئيس الوزراء عبد المالك سلال ورئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى وقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.

ويعتقد مراقبون، في هذا الصدد، أن لصالح يداً في التعيينات الحكومية الأخيرة، مع تداول تقارير عدة منذ فترة عن علاقته مع عدد من محافظي الولايات، وتوجيهه رسالة هي الأولى من نوعها لقائد جيش، إلى رئيس حزب سياسي، وهو عمّار سعداني بعد انتخاب الأخير أميناً عاماً لحزب "جبهة التحرير الوطني" في يونيو/حزيران الماضي.

وفُسّرت الرسالة التي خصّ بها قائد الجيش سعداني فقط، ولم يوجّه رسائل مماثلة لقيادات حزبية أخرى، على أنها محاولة من صالح للتأسيس لسندٍ حزبي وسياسي قوي، تمهيداً لطرح نفسه رقماً فاعلاً في مرحلة ما بعد بوتفليقة.

وتزامن كل ذلك مع تقارير تُفيد بأن صالح بات يرى نفسه "الأقدر" على تسيير الدولة في غياب الرئيس وتعطّل البرلمان وفشل الحكومة، بالإضافة إلى الانسحاب الجزئي لقائد جهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين، والذي كان يُطبق على كامل مفاصل الدولة.

ويسعى صالح، والذي كثّف من إطلالاته أخيراً، للاستفادة من المناخات الأمنية التي تُخيّم على الجزائر داخلياً وإقليمياً، وإعطاء الانطباع بأن هذه المناخات تستدعي شخصية عسكرية أو على الأقل شخصية على علاقة قوية بالجيش. في مسعى لاستنساخ تجربة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن طرح صالح نفسه يبدو صعباً، لا للاعتبارات الداخلية فقط، والتي لا تسمح بعودة حكم العسكر إلى الجزائر، كما يتناقض أيضاً مع المعطيات الدولية التي أفرزها حراك "الربيع العربي".

اقرأ أيضاً: لقاء "الإخوان" والرئاسة الجزائريَيْن يهدّد بشق المعارضة 

وبحسب الناشط السياسي، حفناوي غول، فإن "تسارع التعديلات الوزارية، مؤشر على تخبّط في رأس الدولة واشتداد الصراع بين الأقطاب الفاعلة في الحكم، خصوصاً بين رئيس الحكومة عبد المالك سلال ورئيس ديوان الرئاسة أويحيى".

ويلفت غول، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مرحلة ما بعد بوتفليقة، لا تسمح بتواجد أويحيى وسلال في الموقع نفسه، وهو ما يفرض على الجماعات الضاغطة، والتي تحكم باسم الرئيس التضحية بأحدهما". ويشير إلى أن "عدم وجود سياسة جادة في تسيير الملفات وعمل السلطات تُلزم المجموعة الحاكمة بتوفير بعض الظروف لصالح أويحيى ليكون رجل المرحلة المقبلة".

وبات من الواضح الآن أن هناك حلفين يتشكّلان في رأس السلطة تمهيداً لمرحلة ما بعد بوتفليقة. حلف داعم لأويحيى، وآخر لسلال، الساعي إلى استقطاب الإسلاميين، بعد تنحية وزير التجارة عمارة بن يونس، بعد الجدل الذي أثاره بقرار تحرير تجارة الخمور وتصريحاته السلبية إزاء قوى التيار الإسلامي.

واللافت أن الحلف الداعم لأويحيى، يتشكّل من "القوى الصلبة والمؤسسات الضاغطة"، بينما يتشكّل الحلف الداعم لسلال من قوى سياسية مؤثرة، غير أنه يُمكن اختراقها وتحويل مواقفها وتحويل مسارها، كحزب "جبهة التحرير"، والذي يمتلك الأغلبية الصورية في الحكومة والبرلمان. وهو ما حدث فعلياً عند ترشيح السلطة لبوتفليقة في رئاسيات 1999، في وقتٍ كان الحزب بقيادة أمينه العام حينها بوعلام بن حمودة، رافضاً لبوتفليقة.
وتتوجّه أكثر التساؤلات الآن لمعرفة موقف جهاز الاستخبارات، والذي اعتاد اللعب في ربع الساعة الأخيرة في الاستحقاقات المفصلية، والواضح أن الجهاز يبدو منكفئاً حالياً، وغير راغب في الدخول في صراع مباشر مع صالح، بسبب تسويق الأخير نفسه بديلاً لبوتفليقة.

ومع ذلك، يرى بعض مسؤولي جهاز الاستخبارات، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الجهاز قد يحسم الموقف لصالح أويحيى". ويشيرون إلى أن "سلال حسم بحضوره مؤتمر جبهة التحرير وتعيينه عضواً في اللجنة المركزية قبل أن يسحب اسمه، موقفه لصالح دعم الخيارات السياسية التي تدفع سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس".

ومن المعروف أن شقيق الرئيس على خلاف كبير مع قيادة الاستخبارات، ليبقى الكارتل المالي المتجمع حول سعيد بوتفليقة، سنداً وحيداً لسلال إلى حين، باعتبار أن الرأسماليين غالباً ما يحوّلون دعمهم إلى الأقوى.
وتبدو إرهاصات مرحلة ما بعد بوتفليقة أنها بدأت بمؤشرين سياسيين ومتزامنين توقيتاً، تجلّيا بحضور سلال مؤتمر الحزب الحاكم وإعلانه بأنه مناضل في الحزب منذ عقود، وفي رفض سعداني دعوة حزب "التجمّع الوطني الديمقراطي" أويحيى لتأسيس تحالف رئاسي جديد.

اقرأ أيضاً: "القاعدة" و"داعش" في الجزائر... الصراع الخاسر