هدنة "الوعر" على خطى "حمص القديمة"

هدنة "الوعر" على خطى "حمص القديمة"

17 يناير 2015
يتعرض الحي لهجمات قوات النظام ومليشياتها (الأناضول)
+ الخط -
يدخل وقف إطلاق النار في حي الوعر، غرب مدينة حمص، يومه الثالث بين قوات المعارضة السورية وقوات النظام، بعد خرقه من قبل الأخير في يومه الأول (الخميس)، بإطلاق 3 قذائف على الحي، واستهداف مدنيين برصاص قناص، مع بداية توزيع المعونات الإغاثية في الحي.
 
وبعد وقف إطلاق النار ضمن الحي، والذي من المفترض أن يستمر عشرة أيام تمهيداً لهدنة محتملة يدفع باتجاهها النظام بعد لقاء عقد بين عسكريين من المعارضة السورية في الحي من جهة، ومحافظ حمص، طلال البرازي ورئيس أمن الدولة في المحافظة، من جهة ثانية، يبدو أن سيناريو "حمص القديمة" هو الأرجح في الوعر، إذ إن خيارات مقاتلي المعارضة محدودة جداً ضمن الحي، فهؤلاء يتعرّضون لحصار خانق منذ أكثر من عام ونصف العام، وسط نقص في الإمدادات الغذائية والعسكرية، ويبدو ذلك جلياً في محاولة مقاتلي المعارضة تجنّب أي صدام عسكري مع النظام، إذ أغلب القصف الذي يقوم به النظام على الحي لا يكون مسبوقاً بقصف من جهة المعارضة، كما أنه لا يستتبع ردا منها أيضاً، وكأنها أشبه بتحرشات عسكرية من قبل النظام، الذي يدرك تماماً الحال التي وصل إليها المقاتلون داخل الحي.

ويحتمل أن تشكّل أعداد المدنيين، ضمن حي الوعر، ضغطاً كبيراً على مقاتلي المعارضة، وورقة رابحة بيد النظام في أي اتفاق محتمل، إذ إنّ ما يميز حي الوعر عن غيره من المناطق المحاصرة التي يسعى النظام إلى عقد مصالحات معها، أنّ عدد المدنيين في الوعر يفوق عدد المسلحين بعشرة أضعاف، فالحي يحتوي على 300 ألف مدني، معظمهم من النازحين من المناطق المختلفة من حمص مقابل 30 ألف مقاتل. وهذا ما يشكّل عبئاً كبيراً على المقاتلين، بعكس بعض المناطق الأخرى كالزبداني، التي لا تزال ترفض المصالحة مع النظام، بسبب عدد المقاتلين الذي يطغى على عدد المدنيين فيها، إضافة إلى وجود طرق للإمداد، في حين دخلت المساعدات الغذائية الوعر المحاصر آخر مرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ استُقبلت 12 قافلة مساعدات إنسانية من أصل 23 بوساطة من المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، خلال زيارته للبلاد، إضافة إلى المساعدات التي دخلت يوم أمس عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري.

إلى جانب ذلك، يتعرض الوعر لحملات عسكرية متتالية لقوات النظام المدعومة من عناصر من حزب الله من أهالي منطقة المزرعة بالقرب من الحي. ومعظم سكان هذه القرية من الطائفة الشيعية، ويسعى النظام إلى تجنيدهم للقتال في صفوفه. وتعد المليشيات التابعة لها، إضافة إلى مليشيات الشبيحة، أول الرافضين للهدنة.
وبحسب مصادر "العربي الجديد" في حي الوعر، فإن ما تعرض له الحي (أول من أمس) من قصف كان من جهة تلك المليشيات، والتي تعرقل أي هدنة يقوم بها النظام، لأنها لا تتقبل فكرة مصالحة تضمن للمقاتلين "أعدائهم" الخروج بسلاحهم آمنين أمام أعينهم. وهذا ما حدث في أول اجتماع في فندق السفير في حمص بين قوات المعارضة والنظام، لإتمام اتفاق حمص القديمة قبل خروج المقاتلين منها، إذ رُفض الاتفاق من قبل مليشيات الشبيحة، بشكل أشبه بالتمرّد العسكري على النظام، ناهيك عن أن تلك المليشيات هي المستفيد الأول من حصار الأحياء، إذ حولت ذاك الحصار إلى تجارة مربحة، وباتت الوحيدة التي تتحكّم في إدخال المساعدات الغذائية إلى الأحياء.

في المقابل، يسعى النظام، من خلال استغلال كل نقاط الضعف في الحي، الذي يعد آخر معاقل المعارضة في حمص المدينة، إلى فرض مصالحة تؤمن له السيطرة على المدينة بشكل كامل، وحصر الثوار في الريف الشمالي من حمص، تمهيداً لضربهم هناك، أو استخدام ذات الأسلوب من الحصار على المدى الطويل، والذي يعتمد على تجويع المناطق وقصفها، حتى إبرام اتفاق معها يكون فيه الرابح الأكبر، استكمالاً لسياسته في إجراء الهدن. وشهدت مناطق عدة، خاصة في دمشق وريفها، هدنا بأشكال مختلفة، بداية من تطبيق اتفاق مصالحة في حي القدم الدمشقي، وإيقاف إطلاق النار والسماح لدخول مساعدات إغاثية إلى مخيم اليرموك، قبل أن يتجدد القتال فيه.

كما شهدت أحياء برزة بدمشق وببيلا ويلدا في ريفها مصالحات مشابهة فرضها النظام. أما الاتفاق الأبرز، فقد شهدته أحياء حمص القديمة، بعد خروج مقاتلي المعارضة من هذه الأحياء وتسليم أسلحتهم في شهر مايو/أيار من العام الماضي، بعد اتفاق هدنة مع قوات النظام، التي اشترطت مغادرتهم مقابل إيقاف قصف تلك الأحياء، والسماح بإدخال مساعدات إغاثية إليها.
وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فقد اتفق ممثلو المعارضة والنظام، ضمن حي الوعر، على مناقشة نقاط عدّة، منها "تسوية أوضاع المقاتلين الذين يريدون تسوية أوضاعهم، ومناقشة وضع كل من يريد البقاء منهم في الحي، فضلاً عن قضية الأسلحة الموجودة لدى المقاتلين، وأوضاع المطلوبين للتجنيد الإجباري، وفتح الطرقات إلى حي الوعر، وتفعيل المؤسسات والمشافي ومراكز الشرطة. إضافة إلى ما حصلت عليه "العربي الجديد" من معلومات حول عرض النظام على الأهالي في حي الوعر ممن لا يرغبون في البقاء تحت إدارته بمغادرة المنطقة من دون التعرض لهم، ليصب هذا العرض في نفس خانة التهجير التي يتبعها النظام، خصوصاً في المحافظات التي تعد خطوط تماس طائفي.

المساهمون