وأد مشاريع قوانين الأحوال الشخصية والإيجارات والمحليات بأوامر السيسي

مصر: وأد مشاريع قوانين الأحوال الشخصية والإيجارات والمحليات بأوامر السيسي

17 نوفمبر 2018
عبد العال يعطل مناقشة 30 مشروع قانون (العربي الجديد)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة داخل البرلمان المصري أن رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، تلقى تعليمات رئاسية بعدم إدراج بعض مشاريع القوانين في جدول أعمال المجلس في دور الانعقاد الحالي، وتجميدها في الأدراج لأطول فترة ممكنة، لاعتبارات تتعلق بمواقف النظام إزاءها، وفي مقدمتها تشريعات الأحوال الشخصية، ومفوضية منع التمييز، والإيجارات القديمة، والإدارة المحلية، وقانون المرور الجديد. وأوضحت المصادر أن خروج تلك التشريعات إلى النور سيؤدي إلى مواجهة السلطة، التي لا ترغب في صدامات جانبية مع المواطنين، العديدَ من الأزمات، خصوصاً مع الزيادات المرتقبة في أسعار الوقود ووسائل النقل والخدمات العامة خلال الأشهر القليلة المقبلة، هذا فضلاً عن حالة الجدال التي ستصاحب إصدارها، وقد تستغلها قوى المعارضة في تأجيج المصريين على الرئيس عبد الفتاح السيسي، على حد تعبيرها.

وأشارت المصادر إلى أن هناك ما لا يقل عن 30 مشروع قانون جاهزاً للعرض أمام اللجان المختصة، غير أن عبد العال يعطل بدء مناقشاتها وفقاً لصلاحياته بموجب اللائحة المنظمة، لافتةً إلى أن هيئة مكتب البرلمان، برئاسة الأخير، هي المتحكمة في جدول أعمال الجلسات العامة، ولا تستطيع أي لجنة أن تناقش أحد التشريعات المقدمة إليها دون إحالتها من هيئة المكتب، والتي تقتصر على ثلاثة أعضاء فقط، هم رئيس البرلمان ووكيلاه.

الأحوال الشخصية

ويرفض النظام المصري فتح ملف قانون الأحوال الشخصية (الأسرة)، بوصفه قانوناً شائكاً ترفض الحكومة مناقشته حالياً، على الرغم من تقدم العديد من النواب بمشاريع قوانين حول تعديل مواده، بشكل يكفل إعادة تنظيم كافة النواحي الإجرائية والموضوعية المرتبطة بمراحل الزواج، بداية من الخطبة وشروطها، مروراً بالزواج والطلاق والخلع، وصولاً إلى حق رؤية الأطفال والنفقة وإجراءات صرفها. وقرر رئيس حزب الوفد، النائب المعين بهاء الدين أبو شقة، فصل المتحدث باسم الهيئة البرلمانية للحزب، محمد فؤاد، من الحزب وكافة تشكيلاته، إيذاناً باتخاذ إجراءات التصويت على إسقاط عضويته من البرلمان لتغير صفته الحزبية، على خلفية تقدمه باقتراح تشريعي على قانون الأحوال الشخصية، وتنصل رئيس الحزب منه، بذريعة أن تعديل القانون هو موضع خلاف بين فئات المجتمع.

ويمنح اقتراح فؤاد الطرف غير الحاضن حق استضافة الطفل كي يحظى برعاية مشتركة، خلال مدة تراوح ما بين 24 و48 ساعة، بهدف مساعدة الطفل في التعرف عن قرب إلى ذويه وأقاربه، والتعايش في منزل الأب مع أسرته، بدلاً من نظام الرؤية المعمول به حالياً، باعتباره يساهم في إحداث فجوة بين الطفل والطرف غير الحاضن، وفقاً للمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون. وقال فؤاد، في تصريح خاص، إن أعضاء هيئة مكتب اللجنة التشريعية في البرلمان يتحججون بانتظار رد مؤسسة الأزهر على تعديل القانون حتى تُمكن مناقشته، بيد أن السبب الحقيقي وراء تعطيل القانون هو الخلاف السياسي حوله، مشيراً إلى أن مشروع القانون أرسل إلى المؤسسة الدينية منذ 7 أشهر دون رد حتى الآن، علماً أن المواد المعدلة غير قطعية الثبوت والدلالة، ولا تستوجب استطلاع رأي الأزهر. وقضايا الطلاق، وحق الرؤية، والنفقة، وترتيب الأب في الحضانة، هي أكثر القضايا شيوعاً في ساحات المحاكم المصرية. وسبق أن تقدمت عضو ائتلاف الأغلبية، النائبة سهير الحادي، بتعديل على قانون الأحوال الشخصية، مدعوماً بتواقيع 60 نائباً، إلا أن ضغوط قيادات الائتلاف دفعتها إلى سحب مشروعها، الذي كان يستهدف نقل حضانة الطفل من المُطلّقة إلى الأب مباشرة حال زواجها.

منع التمييز
ثلاث سنوات كاملة مرت على تقدّم البرلمانية المعينة، أنيسة حسونة، بمشروع قانون مفوضية المساواة ومنع التمييز، فيما يرفض رئيس البرلمان إدراجه في جدول أعمال اللجان المختصة أو الجلسات العامة، رغم أنه أحد التشريعات المكملة للدستور الصادر في العام 2014، كونه يُلزم الدولة بوضع سياسات وبرامج تكفل المساواة، وتمنع التمييز بين المواطنين، وتجيز إقرار التمييز الإيجابي لبعض الفئات المهمشة. ووفقاً لمصادر برلمانية، فإن القانون غير مطروح للنقاش داخل أروقة البرلمان الحالي، لأنه يفتح الباب أمام تعديل بعض التشريعات الأخرى، موضحة أن إنشاء مفوضية لمنع التمييز سيدفع الكثيرين من المصريين للمطالبة بحقوقهم الكاملة في المواطنة، وعدم التمييز بينهم وبين فئات المجتمع الأخرى، ومساواتهم في الامتيازات الممنوحة إلى فئات مثل ضباط الجيش والشرطة وأعضاء الهيئات القضائية، وهو ما لا يرغب النظام في حدوثه.

الإيجارات القديمة

واستطاع رئيس البرلمان إجهاض كافة محاولات لجنة الإسكان في البرلمان، الرامية لمناقشة اقتراحات بعض النواب بشأن تعديل قانون الإيجارات القديمة، كونه أحد أكثر التشريعات إثارة للرأي العام، لأنه يمسّ بأوضاع نحو ثمانية ملايين و900 ألف مستأجر يخضعون لأحكام القانون الذي خلف أوضاعاً مستقرة منذ 60 سنة، ويحتاج تعديله إلى مراعاة البعد الاجتماعي للمواطنين، والتغيرات الاقتصادية التي طرأت على المجتمع. وتقدم النائبان معتز محمود، وإسماعيل نصر الدين، بتعديل على القانون، مدعوماً بتواقيع 115 نائباً، ينص على تحرير عقود الوحدات السكنية خلال 10 سنوات، مع إقرار زيادة سنوية متصاعدة للقيمة الإيجارية تصل إلى المِثل بعد انقضاء المدة، وهو ما أعقبه تقدم عضو اللجنة التشريعية في البرلمان، عبد المنعم العليمي، باقتراح تشريعي لتحرير العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات من وفاة المستأجر. وينص قانون الإيجارات القديمة، المعمول به حالياً، على أحقية ذوي المستأجر (الجيل الأول) في البقاء بالوحدة السكنية حتى وفاتهم، وهو ما يرفضه بشدة ملّاك العقارات الذين يتحصلون على جنيهات قليلة شهرياً من كل وحدة سكنية، بشكل لا يتناسب على الإطلاق مع ارتفاع الأسعار، وموجات الغلاء المتوالية التي تتعرض لها البلاد. ولم تراع التعديلات المقترحة من النواب "حق السكن" المنصوص عليه دستورياً، نظراً لأن الدولة لم توفّر بدائل لقاطني الوحدات السكنية المستأجرة بعد إجبارهم على إخلائها، علاوة على مخالفتها حكم المحكمة الدستورية المصرية الصادر في العام 2002، بعدم أحقية الملاك في تغيير القيمة الإيجارية أكثر من مرة حفاظاً على السِلم الاجتماعي.

الإدارة المحلية
وأصبح في حكم المؤكد عدم إجراء الانتخابات المحلية خلال الولاية الثانية للسيسي، في ضوء حالة التسويف التي ينتهجها مجلس النواب تجاه مناقشة قانون الإدارة المحلية، الذي يقبع حبيس أدراج رئيس البرلمان منذ ثلاث سنوات، مع وعود زائفة ومتكررة بالتصويت على إقراره، وإجراء انتخابات المجالس البلدية "في أقرب وقت". وبحسب مصادر برلمانية، فإن هناك صعوبة في إحكام قبضة النظام على الانتخابات المحلية، أو ولاء جميع المرشحين، الذين يُقدرون بعشرات الآلاف، على الرغم من الوعود المستمرة من السيسي، وحكومته، بشأن إجراء الانتخابات المحلية، في ضوء حجم الفساد المستشري داخل الأجهزة البلدية في كافة المحافظات.
وترى أجهزة الدولة الأمنية أن لا داعيَ لإجراء الانتخابات المحلية خلال الدورة الرئاسية الحالية (2018-2022)، لعدم ضمان حصول الأحزاب والكيانات المحسوبة على الدولة على أغلبية مريحة من مقاعدها، وفقاً للمصادر، التي أشارت إلى رفع تلك الأجهزة تقارير إلى مؤسسة الرئاسة تتضمن مخاوفها من تسلل عناصر منتمية إلى جبهات المعارضة إلى نظام الحكم عبر المجالس الشعبية.

وتظهر حالة السخط الشعبي على السيسي ونظامه بوضوح في المحافظات التي لم تطاولها عملية التنمية، التي توجهت في غالبيتها إلى أماكن تمركز الساسة والأغنياء، كالعاصمة الإدارية الجديدة في القاهرة، وهو ما أعطى انطباعاً لدى أبناء الدلتا والصعيد بأن الدولة لا تعيرهم اهتماماً، الأمر الذي يُنذر بتصويت عقابي في تلك المناطق ضد المرشحين المحسوبين على السلطة في حال إجراء انتخابات المحليات. وأُجريت آخر انتخابات بلدية في مصر في العام 2008، وهيمن عليها الحزب الوطني "المنحل" إبان حكم الرئيس المخلوع، حسني مبارك، إلا أن المجلس العسكري الحاكم، في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، أصدر مرسوماً بتشكيل مجالس محلية مؤقتة إلى حين إصدار قانون المحليات، لكن التشريع اقترب من عامه الثامن وهو لا يزال يراوح مكانه.

قانون المرور
ويُعد قانون المرور الجديد من التشريعات المعطلة كذلك، بعد انتهاء لجنة الدفاع والأمن القومي من مناقشة مواده البالغ عددها 96 قبل نحو عام، لعدم توافر البنية التحتية اللازمة لتطبيق مواده، على اعتبار أنه يستبدل الغرامات التقليدية لمخالفات السير بتوزيع 50 نقطة لكل رخصة سيارة، واقتطاع المخالفات من رصيد النقاط. وقال رئيس لجنة النقل والمواصلات السابق في البرلمان، النائب سعيد طعيمة، إن الحكومة قدمت مشروع القانون إلى البرلمان، على الرغم من عدم جاهزية أنظمة الرقابة على الطرق لتطبيق نصوصه، لافتاً إلى أن القانون الجديد لن يحدث فارقاً على الأرض طالما أن البنية التحتية لمنظومة المرور متهالكة، بل سيزيد من حجم الرشاوى الممنوحة لأفراد المرور لتجنّب تسديد المخالفات. وأضاف طعيمة، في تصريح خاص، أن غالبية كاميرات المراقبة في الإشارات لا تعمل بمحافظتي القاهرة والجيزة، بينما لا توجد من الأساس في بقية المحافظات، وبالتالي ستكون هناك صعوبة في تسجيل المخالفات وفقاً للنظام الجديد، والذي يقتطع نقطة واحدة للمخالفات البسيطة، وخمس نقاط للجسيمة منها، مع إعلام أصحاب السيارات بمخالفتهم وقت وقوعها، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق قبل تطوير منظومة المرور في جميع المحافظات. وأعطى مشروع القانون المحافظين صلاحية لفرض رسوم فورية لا تتجاوز 100 جنيه تخصص لصندوق تطوير المرور بكل محافظة، في حين قسّم المخالفات إلى 5 شرائح، وكل شريحة يترتب عليها اقتطاع نقاط، وإيقاف صلاحية الرخصة لمدة محددة، مع إلزام المواطنين بتلقي قواعد تدريبية في مراكز معتمدة، لاستعادة صلاحية الرخصة، مع إنشاء مجلس قومي للمرور، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، لوضع استراتيجية للمرور في مصر.