نتنياهو قد يخسر ترامب... لكنّ الفلسطينيين لن يفوزوا به

نتنياهو قد يخسر ترامب... لكنّ الفلسطينيين لن يفوزوا به

13 مايو 2017
ترامب ونتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض (تشيريس ماي/Getty)
+ الخط -


تكثف الصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، على نحو خاص، من نشر تقارير حول قلق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من جهة، وخيبة أمل اليمين الاستيطاني من جهة أخرى، مما تصفه بتحولات في مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما قد يحمله في جعبته من مبادرة ومبادئ أساسية للتسوية التي قد يطلق على أساسها مبادرته للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، مع احتمال تحديد مدة هذه المفاوضات بتسعة أشهر.

ويثير في هذا السياق الانتباه، حرص صحيفة "هآرتس" على إبراز نصائح السفير الأميركي العتيد في تل أبيب، اليهودي المتدين، دافيد فريدمان، الداعم مستوطنة "بيت إيل"، بضرورة "اعتماد حكومة إسرائيل خطاً مؤيداً لمساعي الرئيس ترامب ومبادرته السياسية"، التي لم يكشف عنها بعد.

ومع أنه يفترض أن تكون مثل هذه النصائح "طبيعية"، من سفير يتحدث عن مبادرة رئيسه، إلا أنها في سياق فريدمان تكتسب أهمية خاصة، لأنها توحي بأن الرجل، وهو من قلب اليمين الأميركي، وتحديداً من التيار الأميركي المناصر كلياً لسياسات نتنياهو، يخشى من أن يقدم نتنياهو في حال تعنته أو لجوئه للمراوغة والمماطلة، هدية للجانب الفلسطيني تمكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالذات من الظهور بمظهر الشريك الحقيقي للسلام، وبالتالي تحميل نتنياهو وإسرائيل مسؤولية فشل هذه المبادرة.

ولعل ما يمكن إضافته في هذا السياق هو ما ذكرته "هآرتس" أخيراً بأن "إسرائيل تسعى عبر سفيرها في واشنطن لتضمين خطاب ترامب المرتقب في مسادا، عبارة تعترف بالقدس الموحدة عاصمة إسرائيل، إلى جانب تكرار مقولة وجوب الوصول إلى حل الدولتين".

ومع أنه من السابق لأوانه الجزم بنجاح المسعى الإسرائيلي هذا، بفعل الاعتبارات التي على ترامب أخذها، خصوصاً أن وصوله لإسرائيل سيكون غداة لقائه العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وزعماء عربا ومسلمين في السعودية، مما يعني إدراك الخارجية الأميركية أن أي تصريح في الاتجاه المذكور قد يعرض مجمل سياسة التعاون التي يرمي ترامب لتكريسها مع دول الخليج في سياق مواجهة إيران. كما أنه قد يستطيع حشد العرب لتحقيق ضغوط عربية على الطرف الفلسطيني، بغية تقديم تنازلات مسبقة تمكِّن من إطلاق المفاوضات، وخلق أجواء عملية سياسية إيجابية، لن يكون بمقدور نتنياهو هذه المرة رفضها لأن ترامب، ليس سلفه باراك أوباما، وبالتالي فإن نتنياهو لن يكون بمقدوره التعامل مع مبادرة ترامب كما تعامل مع مبادرات وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.



وهنا يكمن عملياً الخطر المحيط بالطرف الفلسطيني، الذي تقر الصحف الإسرائيلية، بأنه "يسعى جاهداً لتكريس النظرة الإيجابية التي يحملها ترامب، خصوصاً أن مصادر فلسطينية كانت قد أقرّت هذا الأسبوع بأن السلطة الفلسطينية عرضت استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت فيها في عهد رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت عام 2008، قبل أن يضطر الأخير إلى الاستقالة من منصبه بعد اتهامه بالفساد وتلقي الرشاوى.

وفي هذه النقطة، يلفت الكاتب يوسي فيرتير، في "هآرتس"، إلى أن "تسيبي ليفني، التي باتت أكثر شخص مقرّب لمبعوث ترامب لقضايا الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، تؤكد للطرف الأميركي، بأن الفلسطينيين يبدون هذه المرة مرونة أكبر، وهم يبدون استعداداً لتقديم تنازلات لم يقدموها في الماضي". بالتالي فإن ذلك يزيد من حرج نتنياهو وقلقه.

وتعني هذه التصريحات، أن مقترحات ترامب، لن تبتعد كثيراً عما كان اقترحه أولمرت ورفضه الجانب الفلسطيني في حينه، وقد يكون من ضمن ذلك العودة في سياق القدس إلى وثيقة ومسار كلينتون في كل ما يتعلق بالقدس المحتلة، واعتماد أبو ديس، حيث يوجد مقر المجلس التشريعي الفلسطيني، "قدساً" فلسطينية وعاصمة للدولة الفلسطينية وتعديل هذا الطرح ودمجه في مسار كلينتون، الذي يبدو أنه لا يزال المحرك أو الموقف الأساسي السائد في أروقة البيت الأبيض في كل ما يتعلق بترتيبات القدس المحتلة في الاتفاق الدائم.

إلى ذلك فإن ليفني لم تخف في حديثها مع يوسي فيرتير، أن مبادرة ترامب هي فرصة لإسرائيل للتوصل إلى حل دائم، وإعلان نهاية الصراع ونهاية المطالب بين الطرفين. وهو ما يفسر حماسها وانهماكها في الحوار مع الإدارة الأميركية والاتصالات مع غرينبلات، التي تؤكد ليفني أنها تتم بالتنسيق مع سفارة إسرائيل في واشنطن.

ويؤكد هذا الاستعراض أن قلق نتنياهو مما قد يحمله ترامب في مبادرته، لا يبرر بالضرر حالة التفاؤل السائدة في رام الله، لمجرد أن نتنياهو قد لا يكون راضياً عن الطروح الأميركية، لأن من شأنها أن تكون طروحاً مقبولة لدى باقي المعسكرات في إسرائيل من دون أن تستوفي الحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية وما تبقى منها.

في غضون ذلك، تبدو السلطة الفلسطينية كمن تراهن كلياً على أي عبارة تصدر عن ترامب، ما دامت تثير قلق نتنياهو، وإن هذا القلق صادر ربما عن تخوف نتنياهو من ردود اليمين المتطرف، وليس بالضرورة من فرص فرض مبادرة ترامب. وهو قلق تقول ليفني، إنه لم يعد بمقدور نتنياهو أن يصدره إزاء ترامب، لأنه في حال جاءت مبادرة أميركية سيجد نتنياهو، دعما من باقي الأحزاب المعارضة في الكنيست لمبادرة ترامب، بما يبطل مزاعم نتنياهو بعدم القدرة على تمرير اتفاق كهذا في الحكومة الحالية.

يعني هذا في نهاية المطاف أن ما يعتبره نتنياهو، بحسب توصيفات الصحف الإسرائيلية، كمينا من ترامب، قد يتحول في الواقع إلى كمين للطرف الفلسطيني نفسه، تحديداً إذا جاءت مبادرة ترامب مدعومة، بفعل الاعتبارات الأميركية في الخليج العربي، من الدول العربية في الخليج، ومعها كل من مصر الأردن، بما يضيق الحصار على السلطة الفلسطينية ويحول دون إبداء رفض مطلق لأفكار ترامب. كما يراهن عباس ونتنياهو الآن، أو يسعيان، لمناورات هدفها الأساسي، خلافاً للتصريحات العلنية، ألا يتم اتهم أي منهما بالمسؤولية عن إفشال المبادرة.