المستشار المصري حسن ياسين: القضاة أجبروا على تأييد الانقلاب

المستشار المصري حسن ياسين: القضاة أجبروا على تأييد الانقلاب

20 سبتمبر 2016
الحكم ضدنا جاء لأسباب لا صلة لها بالقانون(العربي الجديد)
+ الخط -
يكشف، النائب العام المصري المساعد، السابق، المستشار حسن ياسين، في أول حوار صحافي له منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، مفاجآت عدة في حواره مع "العربي الجديد"، أبرزها ما يتعلق بكواليس المفاوضات التي جرت بين النيابة العامة وعدد من رجال أعمال الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وفي مقدمتهم حسين سالم. ويوضح كيف أضاع الانقلاب العسكري على خزينة الدولة مليارات الدولارات التي كانت في طريقها إليها. ويكشف عن الأدلة الجديدة التي توصلت إليها النيابة في قضية قتل متظاهري ثورة 25 يناير، مؤكداً أنها كانت تحمل إدانة قاطعة لمبارك. ويفتح ياسين خزينة أسراره لـ"العربي الجديد"، مفصحاً عن كواليس ما حدث في تحقيقات تظاهرات الاتحادية خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وكيف ضُلل كل من المحامي العام لنيابات شرق القاهرة (في فترة وقوع الأحداث) المستشار مصطفى خاطر، والنائب العام المساعد وقتها، المستشار عادل السعيد، والمستشار طلعت عبدالله في القضية. كما يعلّق ياسين على حديث المستشار هشام جنينة، بشأن ما ذكره عن وقائع فساد في مؤسسة الرئاسة في عهد مرسي، ذاكراً كيف كان مبارك يحصل على أجزاء من دخل قناة السويس ومنجم السكري بدون حسيب أو رقيب. في ما يلي نص الحوار:

قاضي مذبحة رابعة قال خلال آخر جلسة لنظر القضية إن النائب العام الراحل، هشام بركات، لم يصدر قراراً بفض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، فهل هذا سيغير شيئاً على أرض الواقع سواء بالنسبة للمتهمين أو الجناة؟

النائب العام لا يملك صلاحية إصدار قرار بفض الاعتصام من الناحية القانونية، وبالتالي أنا واثق من صحة التصريح الذي قال فيه رئيس محكمة الجنايات إنه لم يصدر قرار من المستشار هشام بركات بفض الاعتصام. وحتى على فرض جدلي أن هناك قرار من النائب العام بالفض، فهذا لا يعطي شرعية لما حدث من مذبحة واعتقالات على الإطلاق، وبالتالي هو لا يغير من الأمر شيئاً. أعتقد أنه كل ما يمكن أن يكون قد صدر من النائب العام هو ضبط للمخالفات التي قد تكون مرتكبة في موقع الاعتصام، لأن الفض لا يملك النائب العام قانوناً إصدار قرار به.

وما المسوّغ القانوني الذي يمنع بمقتضاه النائب العام من إصدار مثل ذلك القرار؟

الملجأ الوحيد للنظام لاستصدار قرار مثل فض الاعتصام ليس له سوى طريقين فقط: إما اللجوء لقاضي الأمور الوقتية، أو اللجوء إلى الأمور المستعجلة، إذا كان النظام يريد تقنين الاعتصام من الناحية القانونية، وهذا مجرد فعل الفض فقط، وليس ارتكاب مذبحة كما حدث في رابعة والنهضة، بمعنى مجرد إبعاد الناس عن مكان الاعتصام، أما النائب العام من الناحية القانونية فلا يملك وليس من صلاحياته، والقانون لم يعطِ النائب العام هذا الحق.


الفترة الماضية شهدت أحكاماً جماعية بالإعدام في سابقة قضائية، فهل من سبيل لمواجهة تلك الأحكام قضائياً أو قانونياً؟

نأمل في محكمة النقض، فهي إلى الآن لم تساير الهوجة التي حدثت والخطة التي تم وضعها من جانب المنظمين للانقلاب، بتخصيص دوائر قضائية للإرهاب. فهذه الدوائر تصدر أحكاماً كي تكون رادعة من وجهة نظرهم، وتبث الخوف في نفوس الآخرين حتى يستطيع الانقلاب أن يستمر ويحقق أهدافه، وبالتالي الأمل مستمر في محكمة النقض. لكن حتى الآن أيضاً، الباب لم يغلق أمام الصادر بحقهم أحكام جائرة، ولكن لا بد من استنفاد كافة طرق الطعن داخل مصر. فمصر كدولة ونظام ليست بمنأى عن المسؤولية الدولية، وبالتالي يجوز اللجوء لمحكمة العدل الأفريقية، ويجوز اللجوء لمحكمة العدل الدولية، وكذلك اللجوء للقضاء الدولي. لكن لا بد أولاً من استنفاد طريق الطعن الذي تمثل محكمة النقض آخر مراحله. وأنا في اعتقادي أن محكمة النقض ستقوم بدور مشرف، وهذا ظهر جلياً في بعض أحكام الإعدام التي أساءت بشكل بالغ خارجياً للقضاء المصري، وأدت إلى هز ثقة المواطنين به.

هل القضاء المصري كان يتمتع بالاستقلالية خلال أي مرحلة من المراحل في الـ30 عاماً الماضية؟

قبل 25 يناير كان هناك ما يسمى بقضاء أمن الدولة، وهي محاكم أمن الدولة طوارئ. لكن كان من ذكاء النظام السياسي قبل ثورة 25 يناير، أنه كان يقلّص أعداءه، وبالتالي عندما كان يواجههم بقضايا، لم يكن يفعل مثل المشهد الحاصل في الوقت الراهن، إذ نتج عن الانقلاب معارضة واسعة، والنظام يريد أن يواجه هذا الكمّ الهائل من المعارضين فكشف ذلك أن القضاء غير مستقل. والإجراء الذي تم مع قضاة بيان الشرعية المعروفة إعلامياً بقضاة رابعة، كان هدفه الرئيسي أن يبث الرعب في نفوس القضاة بحيث يخشى باقي القضاة ومن يرفض منهم الانقلاب أن يلقوا مصير قضاة البيان، لأننا لو بحثنا في حقيقة القضية، فليس هناك فيها أي جريمة. فإبداء الرأي مكفول في كافة القوانين والأعراف الدولية، وبالتالي بدا واضحاً أن الهدف كان بثّ الرعب في نفوس القضاة بحيث يخشى القاضي على لقمة عيشه، ومستقبله، وبالتالي يضطر أن يسير في ركب الانقلاب.

في ما يتعلق بقضية "قضاة البيان"، هل الاتهامات التي وُجهت لكم كانت بناء على تقارير التفتيش القضائي، أم تحريات أمنية؟

للأسف، المحاكمة تم تأسيسها على تحريات جهاز الأمن الوطني، ونحن أثبتنا أمام محكمة أول درجة أن هذه التحريات مزورة، وقدمنا الأدلة وطعنا بالتزوير على هذه التحريات ولكن لم يُلتفت إلى هذا الطعن. وهو ما يعد نوعاً من العصف بحقوق الدفاع وهذه جريمة لا تسقط بالتقادم. وأكبر دليل على فساد القضية أن بيان رفض الانقلاب أصدره 75 قاضياً. ومن أنكر منهم إصدار البيان تم تبرئته وعاد إلى عمله، ومن تمسك بالبيان، ورفض أن يكذب، تم عزله من موقعه.

ولكن هل من الممكن أن يحدث تغيير في الأحكام وتعودوا مرة أخرى إلى القضاء في حال تغير رئيس محكمة النقض؟

رئيس محكمة النقض الذي صدر القرار في عهده تغير، إلا أننا لن نسكت ولن نظل مكتوفي الأيدي أو صامتين. ومستمرون في المطالبة بحقوقنا، ونحاول حالياً أن نطعن على الحكم. ولكن للأسف رئيس محكمة النقض السابق، المستشار أحمد جمال الدين، منع الموظفين أن يقيّدوا الطعن بالنقض على الحكم، فقمنا بتحرير إنذار على يد محضر، ثم قمنا بإنذار آخر. وسنقيم دعاوى جنح مباشرة ضد الموظفين لأنهم امتنعوا عن تقييد الطعن على الحكم. بالإضافة إلى ذلك، أقمنا دعوى أمام محكمة القضاء الإداري لإلزام محكمة النقض بقبول الطعن. فالحكم الصادر ضدنا بُني على أسباب لا صلة لها بالقانون. وإذا لم تستجب محكمة النقض لمطلبنا، فسنكون قد استنفذنا كل طرق الطعن في مصر، وفي هذه الحالة سنلجأ للقضاء الدولي.

كيف يمكن إعادة الثقة بالقضاء المصري مرة أخرى؟

إعادة الثقة للقضاء لا بد أن تأتي من داخل القضاء المصري نفسه. أولاً، لا بد أن يقف القضاة مع أنفسهم وقفة جادة وينظروا إلى الحالة التي وصل لها القضاء المصري. وعلى شيوخ القضاة أيضاً دور كبير هنا وأن يراجعوا أنفسهم. وهناك عدة أمور أولها إلغاء دوائر الإرهاب. فلا بد أن ينتهي عملها فوراً، وأن جميع القضايا المنظورة أمامها يتم توزيعها على دوائر الجنايات العادية، وتنظر بإجراءات عادية، لأنه للأسف تم اختيار مجموعة من القضاة ليسوا على المستوى المطلوب لمثل تلك القضايا. إضافة لذلك، لا بد أن يقف القضاء وقفة جادة للمطالبة بإلغاء قانون التظاهر عبر القنوات الشرعية، من خلال قيام المحكمة الدستورية العليا بتعجيل نظر الطعن الدستوري على القانون وبإلغاء هذا القانون المعيب الذي يضع القاضي في مأزق. والأمر الثالث لتصحيح مسار القضاء يتمثل في ضرورة إطلاق سراح المتهمين الذين تجاوزوا مدد الحبس القانونية. فكيف يظل متهم محبوساً ويتجاوز الحد الأقصى دون مبرر؟ كما يجب إعادة محاكمة هؤلاء أمام دوائر جنايات عادية. وللأسف الحبس الاحتياطي تحوّل لأداة عقاب، وأداة ترهيب في يد السلطة. والقضاء في قيامه بهذه الأمور سيعيد لنفسه الهيبة وثقة الداخل والخارج.

عدد من المحامين أبدى أكثر من مرة اعتراضه على طريقة تعامل القضاة الذين ينظرون القضايا المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي، وغيره من رموز الإخوان. كيف تفسر التعامل الجاف من جانب القضاة الذين ينظرون تلك القضايا مع أشخاص لا يزالون متهمين ولم تثبت إدانتهم؟

للأسف، تم اختيار مجموعة من القضاة لهذه القضايا، يتبنّون فكراً عدائياً ضد الإخوان المسلمين، والأهم أنهم يحملون فكراً عدائياً ضد ثورة 25 يناير وكل من شارك فيها. والقضية ليست في "الإخوان"، لكن في العداء لـ25 يناير ولكل مواطن يطالب بالحرية وبحقوقه، والتي بالطبيعة تنتقص من نفوذهم المطلق.


كيف ترى موقف المستشار هشام جنينة لا سيما بعد التنكيل به وهو كان رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر من جانب النظام الحاكم أخيراً؟

بالنسبة للمستشار هشام جنينة لا بد أن نفرق بين أمرين، وهما توجهاته السياسية التي ظهرت في حواراته الصحافية الأخيرة والتي ظهر فيها محابياً للنظام ومؤيداً له. وهذه توجهات أنا أعارضه فيها معارضة شديدة. لكني أفرق في ذلك بين هشام جنينة الذي كان يكافح الفساد، ومن هذه الزاوية هو رجل من الطراز الفريد وهذه حقيقة من خلال معرفتي به عن قرب، فهو لم يكن لديه خطوط حمراء، ودخل إلى "وكر الدبابير" دون أن يعلم حجم سطوة الفاسدين ونفوذهم. فالذي يتولى منصباً وزارياً أو حكومياً يعد أقل نفوذاً ممن يديرون منظومة الفساد، وهي شبكة معقدة. وأنْ يصل الأمر لاستصدار قانون مخصوص للإطاحة بهشام جنينة بهذه الطريقة الفجة أمام العالم كله، أمر في غاية الغرابة. فكيف لرجل يحارب الفساد ولم تثبت عليه واقعة فساد واحدة، أن يتم إقصاؤه لأنه يحارب الفساد، في حين يتم إطلاق سراح المفسدين، ويصبحون في مأمن، ويعيشون مطمئنين تماماً لأن من سيحارب الفساد سيتم التنكيل به؟

كيف تبرر إشادة المستشار جنينة بالرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، على الرغم مما تعرض له من تنكيل؟

تفسيري أن المستشار جنينة يخشى من بطش النظام أكثر من ذلك بعدما تخلت عنه القوى السياسية.

في تصريحات سابقة له أشار جنينة إلى أنه كانت هناك مخالفات مالية بمؤسسة الرئاسة في عهد مرسي. وأنت كنت قريباً من المشهد بطبيعة موقعك السابق. كيف ترى هذه الوقائع؟

جميع التقارير التي أعدّها الجهاز المركزي خلال فترة وجودي كنائب عام مساعد، مع النائب العام، المستشار طلعت عبدالله، حتى يوم 2 يوليو/تموز 2013، تم إحالتها للتحقيق. ولم يبق تقرير واحد في أدراج النائب العام لمدة دقائق. ومن ضمن الوقائع أنه أتتني لجنة من الجهاز المركزي للمحاسبات للتفتيش على مكتب النائب العام، فجهزت لها مكاناً وهيأت لها الجو كاملاً حتى تتمكن من ممارسة عملها على أكمل وجه. وهذه اللجنة كانت قد جاءت بشكل مفاجئ دون أن يتصل بي قبلها المستشار هشام جنينة. هذه هي النقطة الأولى. والنقطة الثانية، والتي تتعلق بحديث المستشار بأنه كانت هناك مخالفات بالرئاسة، هذا حديث عام، إذ إنه لم يحدد ماهية هذه المخالفات وأين هي ومن مرتكبها وحجمها. وهنا شهادة للتاريخ أسردها، فأنا حضرت اجتماعات في قصر الاتحادية نحو 4 مرات، منها مرة بمناسبة الإعداد لمؤتمر العدالة الثاني، وتناولت الغداء هناك. وكان معنا مجموعة من المستشارين من القضاء الإداري والعسكري، والقضاء العادي، وكانت وجبة الغداء بسيطة للغاية. فاعتذر رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقتها، السفير محمد رفاعة الطهطاوي، قائلاً "للأسف قصر الرئاسة ليس له ميزانية، فقد كان له ميزانية مفتوحة سابقة قبل 25 يناير، لكن عندما جاء الرئيس محمد مرسي اعترض على ذلك وطالب بميزانية محددة ويتم تقنينها بحيث يسهل مراقبة الداخل والخارج، ويتم غلق أبواب الفساد.

ومن أين كانت تأتي أموال قصر الرئاسة قبل ثورة 25 يناير؟

السفير رفاعة الطهطاوي قال إنه كانت تأتي حصص مفتوحة من دخل قناة السويس، ومنجم السكري للذهب، وعدد آخر من الجهات دون أن يكون على ذلك حسيب أو رقيب. ورفض الرئيس مرسي ذلك وطالب بإغلاق تلك الأبواب وبوضع نظام كامل لمصاريف وإيرادات مؤسسة الرئاسة وأن يكون هناك ميزانية مراقبة. وفي اجتماع آخر كنت أحضره أيضاً في مؤسسة الرئاسة، بصحبة النائب العام السابق، المستشار طلعت عبدالله، في إطار بروتوكولي بصحبة النائب العام القطري وقتها علي المري، وعدد من مستشاري الرئيس، وكان موجوداً أيضا السفير رفاعة الطهطاوي، ونائبه أسعد الشيخة. وأتذكر عبارة قالها وسمعتها بأذني من الطهطاوي، وهي "أسعد الشيخة كان مليارديراً عندما تولى موقعه كنائب لرئيس الديوان، وأوشك على الإفلاس لأنه هو الذي ينفق من ماله الخاص على قصر الاتحادية. وأقسم الطهطاوي أن الشيخة أنفق ملايين على قصر الرئاسة بسبب عدم وجود ميزانية له بعدما رفض مرسي اتباع النظام القديم قبل تعديله لتكون الميزانية مراقَبة.

النائب العام السابق، المستشار طلعت عبدالله، كثيراً ما تعرض لهجوم إعلامي إذ كان الإعلام الخاص يصفه وقتها بأنه النائب الملاكي لـ"الإخوان" والرئيس. وكان يتم الترويج وقتها بأنه يتم حجز البلاغات المقدمة ضد قيادات "الإخوان" في الأدراج وعدم إحالتها للتحقيق. كيف ترد على ذلك وأنت كنت مسؤولاً وقتها؟

ردي يتلخص في قسمين؛ الأول، عندما توليت هذا العمل كنائب عام مساعد يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2012، اجتمعت مع النائب العام وتبع ذلك اجتماع آخر مع أعضاء المكتب الفني للنائب العام. وأعطينا تعليمات محددة وصريحة بأنه عندما يتم عرض بلاغ على النائب العام لا نذكر فيه أسماء المتهمين أيا كانوا، لأننا لا ننظر للأسماء. وبالتالي أتحدى أي شخص تقدم ببلاغ للنائب العام وقتها ضد أي أحد من "الإخوان" أو غير "الإخوان" ولم يتخذ فيه إجراء. الأمر التالي، وهذه معلومة أكيدة وصلتني من أحد العاملين بمكتب النائب، بعد تركنا لمواقعنا في أعقاب الانقلاب، عكف أحد مستشاري مكتب النائب العام، والذي حضر مع المستشار الراحل هشام بركات، طوال 3 أشهر متواصلة يفحص أعمال طلعت عبدالله وحسن ياسين، محاولاً العثور على أي مخالفة تديننا، وبفضل الله لم يجد أي خطأ ولو صغيراً.



وماذا فعلتم بقضايا رموز نظام مبارك التي كانت لدى النائب العام وقتها في ظل اتهامات أيضاً بأنكم لم تأخذوا فيها أي خطوات جادة؟

بالنسبة لما كان يتعلق بالنائب العام من هذه القضايا، فهي بالترتيب قضية رجل الأعمال، أمين التنظيم بالحزب الوطني المنحل، أحمد عز. وقمنا قبل الانقلاب بشهر بتشكيل لجنة لجرد وحصر ممتلكاته وأمواله كاملة إذ بدأ يتضح أن الأحكام في القضايا الخاصة به نهائية لأنها كانت في المراحل النهائية في الطعن، حتى يتم تنفيذ الأحكام الصادرة ضده. أما بالنسبة لرجل الأعمال حسين سالم، فقد تقدم وقتها محاميه بطلب للتفاوض يفيد فيه بأنه مستعد للتنازل عن جزء من ثروته مقابل حفظ القضايا ضده والتي تقع تحت اختصاص النائب العام. فأحلنا هذا البلاغ لنيابة الأموال العامة العليا، وقاموا باستدعاء المحامي وتم مناقشته في البلاغ. وقال إن موكله مستعد للبدء بمفاوضات مع النيابة العامة بشأن التنازل عن جزء من ثروته.

وكان حسين سالم موجوداً خارج مصر. والتفاوض كان سيتم خارج البلاد. ونحن نعلم أنه على صلة قوية بإسرائيل. فطالبت النائب العام طلعت عبدالله أن يتم وضع الاستخبارات العامة في الصورة، وأن تكون جزءاً أساسياً من المفاوضات. فاتصل وقتها برئيس الجهاز، اللواء رأفت شحاتة، وأحاطه علماً بالموضوع. وأرسلنا مذكرة له، فرحب وتم الاتفاق على أن يوفد أحد ضباط الجهاز لحضور المفاوضات. وكذلك أرسلت الخارجية أحد الدبلوماسيين بالسفارة المصرية في مدريد، وعُقدت المفاوضات التي استمرت لمدة أسبوع في إسبانيا. وكان حاضراً محامي عام أموال نيابة الأموال العامة العليا، المستشار مصطفى حسين، ومحامي عام نيابة الأموال العامة العليا، عماد عبد الله.

ومن الجانب الآخر كان حسين سالم ومحاميه المصري وآخر إسباني الجنسية، وانتهت المفاوضات إلى أن سالم وافق على أن يتنازل عن 75 بالمائة من ثروته داخل مصر و50 بالمائة من ثروته خارجها، على أن يقوم بتسديد الجزء الخاص بثروته في الخارج لخزينة الدولة بالدولار. كما تم وضع شرط في وثيقة الاتفاق ينص على أنه إذا ظهر بعد تقديمه حصراً بأملاكه، أي ممتلكات أخرى لم يذكرها سواء خارج مصر أو داخلها، يتم مصادرة كافة الممتلكات. ووضع شرط في غاية الأهمية في الاتفاق وهو أنه -أي حسين سالم- يتكفل بإنهاء قضايا التحكيم ضد مصر التي كان هو سبباً فيها ومنها قضية الغاز مع إسرائيل. وتم وضع آلية لذلك. وهي القضية التي تم إدانة مصر فيها في عهد الانقلاب بغرامة مالية قدرها مليار و750 مليون دولار لصالح إسرائيل. وهذه القضية كنا متفقين مع سالم على آلية واضحة لإنهائها. وعاد وفد المفاوضات وقتها من إسبانيا ومعه الاتفاق موقّعا بخط يد سالم بالموافقة. ثم طلبت بعد ذلك عرْض تفاصيل الاتفاق على الرقابة الإدارية وطالبتهم بتشكيل لجنة بمعرفتهم يكون فيها خبير أجنبي لحصر ممتلكات سالم وتقييمها بالداخل والخارج لاستخلاص حق الدولة منها.

وقتها أبلغني المحامي العام لنيابة الأموال العامة العليا، المستشار مصطفى حسين، بعد اطلاعه على حصر الممتلكات، أن مصر سيكون الحد الأدنى لنصيبها 28 مليار جنيه، وأنه في حال تعاقدنا مع مكتب خبرة جيد سترتفع هذه النسبة لنحو 43 مليار جنيه كحصة مصر. لكن للأسف بعدما كان الاتفاق موضع التنفيذ، حدث الانقلاب وذهب كل شيء، إذ دخل معه في اتفاق جديد سدد بموجبه حسين سالم 5 مليارات فقط، وحكم علينا التحكيم الدولي ضد مصر بغرامة قيمتها بـ1,7 مليار دولار.

وماذا عن رجل الأعمال نجيب ساويرس؟
كان عليه ضرائب مستحقة للدولة وصلت إلى 14 مليار جنيه، فتم التفاوض معه، واتفق على أنه سيدفع ما يعادل هذا المبلغ بالدولار وليس بالجنيه المصري. وبالفعل تم الاتفاق، ودفع أول دفعة منه وكانت تعادل 2.5 مليار جنيه مصري، وكانت النيابة العامة طرفاً أساسياً في هذا الاتفاق، إلا أنه بعد الانقلاب تم حفظ القضية ورد إليه المبلغ الذي دفعه. وهنا أؤكد أنه ليس هناك على الإطلاق أي قضايا من قضايا رموز نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، لم نأخذها بشكل جاد. ويجب هنا الإشارة إلى أن القضية الوحيدة التي صدر فيها حكم بالسجن ضد مبارك، وهي القصور الرئاسية، التي حققناها نحن خلال فترة وجودنا بالنيابة العامة. أما القضايا الأخرى المتعلقة بمبارك وأعوانه وحققت في عهود أخرى مثل المجلس العسكري قبل مجيء النائب العام طلعت عبدالله، تم إفسادها. وكذلك هنا لا بد من الإشارة إلى أن قضية قتل متظاهري ثورة 25 يناير، تم طمس معالمها، لكننا أحييناها من جديد وتوصلنا بالأدلة القاطعة إلى إدانة حسني مبارك إدانة قاطعة في قتل المتظاهرين.

وما أبرز تلك الأدلة التي توصلتم إليها في التحقيقات التي أشرفتم عليها؟

أوضح هنا أن مذكرة التحقيقات التي تم إعدادها في قضية قتل المتظاهرين بلغت 600 صفحة. وما أتذكره من أدلة، أننا توصلنا لتحديد المخازن التي خرجت منها أسلحة الشرطة في تلك الأثناء، والمجموعات المسلحة، وكمية الذخائر التي كانت معها ونوعية الطلقات والذخائر. وكذلك استطعنا التوصل لنوعية الطلقات التي أصيب بها المتظاهرون. وهو ما كشف تطابق تلك الطلقات بالتي كانت بصحبة قوات الشرطة، وأن الكميات التي نفدت من الشرطة، وأماكن وجود مجموعات الشرطة المسلحة تطابقت مع الكميات والأماكن المدونة في كشوف استطعنا الحصول عليها. وكنا قريبين من صدور حكم ضد مبارك في هذه القضية. لكن بكل أسف، قام القاضي في محاكمة القرن، المستشار محمود الرشيدي، بتنحية هذه التحقيقات جانباً ولم يأخذ بها أو ينظر لها، ولذلك أعطاه براءة.

أيضا في تلك الفترة لاحقتكم اتهامات بأنكم كنت تتلقون اتصالات من الرئاسة لتحريك قضايا بعينها وتجاهل أخرى؟

كان عملنا مستقلاً تماماً وكنا لا نراعي إلا الله، وأقسم بالله أن مؤسسة الرئاسة وقتها لم تتصل بنا على الإطلاق إلا في واقعة واحدة. وهذه الواقعة التي اتصلت بنا فيها الرئاسة، هي أنه كان لدينا نحو 13 بلاغاً تقدم بهم محامون ضد صحافيين بارزين وإعلاميين يتهمونهم بإهانة الرئيس مرسي. فأرسل الأخير وقتها مستشاراً قانونياً من الرئاسة للاطلاع على تلك البلاغات، بعدما تقدم بطلب مثله مثل أي شخص متاح له ذلك. وبعد الاطلاع عليها وأخذ أرقامها فوجئنا بخطاب موجه من الرئيس يلتمس فيه حفظ هذه البلاغات وعدم إحالتها للتحقيق وتنازله عن حقه فيها.

وضد من كانت هذه البلاغات؟

معظمهم كانوا من المشاهير الذين دأبوا على مهاجمته، في السابق، وحتى اليوم. وهنا أود الإشارة أيضاً إلى واقعة أخرى توضح مدى حرصنا على المصريين جميعاً، وعدم التفرقة بين أي منهم. وهي عندما تم إلقاء القبض على 4 أقباط مصريين في ليبيا بتهمة التبشير، وقتها قال لي المستشار طلعت عبد الله نحن مسؤولون عن حياة وسلامة كافة المصريين. واتصل بعدها رئيس الوزراء، الدكتور هشام قنديل، برئاسة الجمهورية، وتم تشكيل لجنة برئاستي، وعضوية مساعد وزير الخارجية لشؤون التواصل العربي، واثنين أحدهما ضابط بجهاز الأمن القومي، وآخر من الأمن الوطني وهو اللواء عادل جعفر. وعقدنا اجتماعاً في الرئاسة، واجتماعين في رئاسة الوزراء لكي يتم تنسيق العمل. وبعدها سافرنا إلى ليبيا. ووقتها كان قد تم نقل الأقباط الأربعة من عند المليشيات التي اختطفتهم في بنغازي، إلى الحكومة الليبية. والتقيت هناك برئيس الوزراء الليبي، ووزير العدل في حكومته، ثم قمت بعد ذلك بزيارة الأقباط الأربعة في سجن تاجوراء. وطلب من أحد أعضاء الوفد المرافق لي الذهاب إلى بنغازي لزيارة أهالي المختطفين ومقر الكنيسة الذي تعرض أيضاً للاعتداء وهي كنيسة مصرية. وأكدت على رئيس الوزراء الليبي وقتها أن الدولة الليبية ملزمة بإعادة بناء الكنيسة ليس لأن القاهرة ليس لديها إمكانات مالية، ولكن لأن هذه الكنيسة رمز للسيادة المصرية التي يجب صونها. ولم أترك ليبيا إلا بعد إطلاق سراح المصريين الأربعة، ووصلوا إلى مطار القاهرة قبل أن نصل نحن.

كانت هناك واقعة أخرى أثارت لغطاً كبيراً وقتها وهي ما تم تسميته بموقعة الاتحادية، واحتجاز عدد من الناشطين السياسيين والخلاف بين النائب العام طلعت عبد الله وكيل النائب العام بشرق القاهرة، المستشار مصطفى خاطر. فهل لك أن تطلعنا على كواليسها؟

أثناء واقعة الاتحادية لم أكن قد تسلمت مهام عملي. وكان وقتها المستشار عادل السعيد هو النائب العام المساعد، ولكن المستشار طلعت عبد الله، أطلعني على كواليسها كما حدثت. وقبل أن أكشف تلك الكواليس لا بد من شرح كيفية اتخاذ القرارات داخل مكتب النائب العام، وهي أن رئيس المكتب الفني هو وسيلة الاتصال بالنيابات وهو الذي يعرض على النائب العام بالرأي. وهنا مفاجأة لم يتم الكشف عنها من قبل وهي أن المستشار عادل السعيد أبلغه بالواقعة والأحداث المتعلقة بها، فسأله المستشار عبد الله عن رأيه فيها، ورد عليه أن رأيه، ورأي المحامي العام، المستشار مصطفى خاطر، أن يتم حبس 43 متهماً. فقام النائب العام بالموافقة، قبل أن يفاجأ أن التلفزيون المصري ينشر خبرا بإخلاء سبيل كافة المتهمين في القضية وحبس 5 فقط. وهنا يجب التأكيد على أن التوصية بحبس المتهمين الـ45 جاءت من المستشار خاطر وليس كما تم الادعاء بأنه هو من عارض النائب العام وأمر بإخلاء سبيلهم، هو والسعيد.

ما هو آخر قرار اتخذتموه قبل ترككم للمنصب في أعقاب الانقلاب؟

كان آخر قرار اتخذته وكنت وقتها القائم بأعمال النائب العام بعد بيان 3 يوليو/تموز 2013، هو بلاغ لنيابة أمن الدولة العليا يتهم عبدالفتاح السيسي بقيادة انقلاب عسكري، وكان ذلك يوم 4 يوليو قبل تقدمي باستقالتي من موقعي بلحظات.

المساهمون