تونس: مفاجآت في فصول الصراع الدستوري بين السبسي والصيد

تونس: مفاجآت في فصول الصراع الدستوري بين السبسي والصيد

21 يوليو 2016
صراع صامت وتجاذب بلياقة بين السبسي والصيد (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -
تحوّل الصراع الصامت عن بعد، بين الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، ورئيس حكومته، الحبيب الصيد، إلى "معركة" ينتظر فيها كل طرف خطوة الآخر ليرد عليها من دون أن تخرج عن حدود اللياقة حتى الآن. السبب يكمن في علاقة الاحترام المتبادلة بين الرجلين، على الرغم من الخلاف الجوهري بينهما، والذي تحول إلى خلاف سياسي حول تقييم عمل الحكومة، وإلى نزال دستوري يتسلح كل واحد منهما بالأسلحة التي منحها إياه دستور الثورة التونسية، والذي غيّر المشهد السياسي في البلاد تماماً. وتمثلت آخر مشاهد هذا الصراع القانوني في تواتر المبادرات بينهما، إذ أعلن الصيد نيته التوجه إلى البرلمان من دون تحديد موعد لذلك، بينما كان حزب نداء تونس والاتحاد الوطني الحر يتقدمان بطلب في مكتب البرلمان لمساءلة الصيد. وفيما انطلقت التأويلات حول الظرف القانوني الذي سيمثل به الصيد تحت قبة البرلمان، فاجأ السبسي الجميع بإعلان التمديد لحالة الطوارئ، بما يعني استبعاد فرضية سحب الثقة من الحكومة، من الرئيس أو النواب، وترك المسؤولية كاملة بيد الصيد، إما بالاستقالة أو بطلب تجديد الثقة، وكلاهما مناط بعهدته تماماً. هكذا يضع السبسي رئيس حكومته أمام ضرورة الوفاء بالتزامه أمام التونسيين بعزمه التوجه إلى البرلمان لحسم الصراع، ويحرجه سياسياً بضرورة الإسراع بذلك حتى يستبعد تهمة تعطيل عمل الدولة وإفشال مبادرة حكومة الوحدة الوطنية التي أجمعت عليها أحزاب ومنظمات سياسية تونسية.

ولأن السباق هو معركة ضد الزمن، فضلاً عن جوانبه القانونية والسياسية، فإن النواب المحسوبين على الرئيس من حزبي "نداء تونس" والاتحاد الوطني الحر، رفضوا ترك الأمر للمجهول، في انتظار أن يقرر الصيد متى سيتوجه للمجلس النيابي، وفرضوا جدولاً زمنياً جديداً على مكتب البرلمان بتوجيه الدعوة للصيد لجلسة مساءلة. وقرر المكتب توجيه رسالة لرئيس الحكومة لدعوته لجلسة حوار مع النواب، غداً الجمعة، لإنهاء حالة الترقب والانتظار، وتحديد موعد قريب لفهم نوايا الصيد. لكن الأخير رفض المساءلة وقرر طلب تجديد الثقة. وأكدت مصادر برلمانية خاصة لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الحكومة تقدم أول من أمس الثلاثاء بطلب رسمي لتجديد الثقة في حكومته، وبذلك تلغى جلسة الحوار والمساءلة التي تقدمت بها بعض أحزاب الائتلاف أول من أمس. وسيدعو البرلمان خلال يومين مكتب المجلس لتحديد موعد لتجديد الثقة في أجل لا يتعدى الأسبوع. وقالت المصادر نفسها إنه سيتم بحث تعيين جلسة في فترة قريبة.


وكانت أحزاب الائتلاف قد أكدت أن القرار قابل للمراجعة، بحسب تصريح القيادي بحزب "النداء"، عضو مكتب البرلمان، حاتم الفرجاني لـ"العربي الجديد". وقال الفرجاني إنه يمكن لمكتب البرلمان أن يلغي الدعوة إلى الحوار إذا ما بادر الصيد، قبل يوم غد الجمعة، بتقديم استقالته للبرلمان أو بطلب تحديد جلسة عامة لتجديد الثقة فيه، موضحاً أن الصيد أعلن مطلع الأسبوع الحالي عن نيته التوجه للبرلمان لكنه لم يحدد متى، الأمر الذي يعزز ضبابية المشهد ويزيد إرباك مبادرة السبسي من أجل حكومة الوحدة. انطلاقاً من ذلك، قررت أحزاب الائتلاف الحاكم حصر الحيّز الزمني للصيد عن طريق دعوته لجلسة مسائلة، مع إمكانية إلغائها إذا ما أعرب رسمياً، قبل الجمعة، عن رغبته في الاستقالة أو تجديد الثقة. وهو ما أكده أيضاً القيادي بحزب الوطني الحر، طارق الفتيتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من أن الصيد لم يحدد تاريخاً لتنحيه، ما يترك المسألة غامضة، على الرغم من أن عامل الوقت ليس في مصلحة البلاد التي كادت تشل عدة هياكل منها نتيجة ترقب مآل المبادرة، مضيفاً أن حسم مسألة استقالة الصيد هو العنصر المحدد للانتقال إلى عملية التوافق على هيكلة وتركيبة حكومة الوحدة.

غير أن هذا الأمر يُظهر، في نفس الوقت، حجم الخلاف بين أحزاب الائتلاف الحاكم حول طريقة التعامل مع رئيس الحكومة. وقد رفضت حركة النهضة عقد جلسة المساءلة. وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن "النهضة" تحفظت خلال اجتماع، مطلع الأسبوع، على التصويت، معتبرة أنه غير ضروري بعدما أعلن الصيد صراحة بأنه سيتوجه للبرلمان لطلب تجديد الثقة في حكومته. ولا ينحصر الخلاف بين أحزاب الائتلاف فحسب، وإنما مع أحزاب المعارضة أيضاً. فقد وافقت الكتلة الاجتماعية والجبهة الشعبية على توجيه الرسالة لرئيس الحكومة، لكن بنوايا ودوافع مختلفة تماماً. وتعتبر "الجبهة" أن الائتلاف الحاكم يحاول نقل الأزمة إلى البرلمان لإخراج السبسي من المأزق الذي وقع فيه بسبب موقف الصيد غير المتوقع. وقال القيادي فيها، الجيلاني الهمامي، لـ"العربي الجديد"، إن المبادرة لم تستطع بعد تجاوز عثرة الصيد التي انطلقت منذ إعلانه عدم الاستقالة تزامناً مع طرح مبادرة السبسي.

وعلق الهمامي على جلسة الحوار قائلاً إن "الجبهة تدعو الصيد لجلسة حوار عادية، وترفض أن تستغلها أحزاب الائتلاف من أجل الضغط عليه للاستقالة وإنْ كانت ترغب في تنحية الصيد فليكن ذلك بسحب الثقة منه أو فليتم إقناعه خارج المجلس في إطار اتفاقات سياسية بالاستقالة، لا استخدام المجلس لجلبه والضغط عليه وهي مسألة لا علاقة لها بالوظيفة التشريعية ولا الوظيفة الرقابية للبرلمان، بل مسألة سياسية بالأساس يسأل عنها أساساً المتسبب في الأزمة وهو الرئيس السبسي"، على حد تعبيره.

في غضون ذلك، ذكرت قيادات أخرى من الجبهة لـ"العربي الجديد" أنها ستنتقد الصيد إذا تمت جلسة المساءلة، ولكنها ستقف بكل شجاعة ضدّ كل محاولات التشويه بحقه، على الرغم من أنها الجهة التي رفضت منحه الثقة عند تعيينه، منذ سنة ونصف السنة تقريباً. وتكشف مصادر حزبية لـ"العربي الجديد" عن اجتماعات تمت بين الصيد ورئيس البرلمان من ناحية، ومع السبسي من ناحية أخرى، وبين عدد من الكتل النيابية، من أجل ترتيب هذه الجلسة المنتظرة، متوقعة أنها قد تنتهي باتفاق حول طريقة المساءلة، والتي تكرر نفس مضمون موقف "النهضة": شكر الصيد على جهوده ودعوته بلطف إلى المغادرة.

وبرفض الصيد جلسة المساءلة المخصصة ليوم الجمعة، ودعوته إلى جلسة عامة لتجديد الثقة، يتغير المشهد حول مآل مبادرة السبسي، التي يعتبرها البعض انتحاراً سياسياً، بسبب إجماع أحزاب الائتلاف على تغييره، وهو ما قد يحوّل الجلسة في نفس الوقت إلى فرصة كبيرة للمعارضة، بسبب نشر غسيل الائتلاف أمام كل التونسيين، على الرغم من أنها تتوقع إمكانية حصول توافقات حول ذلك، لأن التحدي سيقود الطرفين إلى خسارات كبرى، وسيكون الرابح الوحيد فيها هو المعارضة.