مفاوضات بغداد ومليشيات "الحشد الشعبي": السلاح مقابل الامتيازات

مفاوضات بغداد ومليشيات "الحشد الشعبي": السلاح مقابل الامتيازات

13 ديسمبر 2017
مقاتلون من "الحشد" خلال مشاركتهم في المعارك(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد يوم واحد من بيان لمليشيا "أبو الفضل العباس" قالت فيه إنها قررت حل نفسها ووضعها تحت تصرف رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يوم الاثنين الماضي، في بيان له، عن تسليم سلاح مليشيا سرايا السلام التابعة له للحكومة فضلاً عن إخلاء المواقع والمناطق التي تسيطر عليها تمهيداً لتسليمها إلى قوات الجيش ضمن ما قال عنه مبادرة لحصر السلاح بيد الدولة. في موازاة ذلك، كشفت مصادر حكومية عراقية عن مفاوضات غير معلنة بين العبادي وزعماء عدد من المليشيات، تتضمن حل المليشيات لنفسها وتوزيع عناصرها على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والخدمية وتسليم أسلحتها لمخازن وزارة الدفاع العراقية ضمن خطة أطلق عليها حكومياً "تصحيح أوضاع الحشد الشعبي" بعد انتهاء المواجهات المباشرة مع تنظيم "داعش" بإعلان تحرير كافة الأراضي العراقية السبت الماضي. يأتي ذلك فيما لا تزال صورة الحراك الجاري بمدينة النجف، جنوب العراق، ضبابية بعد أن وصل زعماء عدد من المليشيات للمدينة يوم الأحد الماضي، أملاً بلقاء المرجع الديني علي السيستاني، وسط ترقب لما سيسفر عنه اللقاء.

وأكد مسؤول عراقي رفيع في بغداد، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن العبادي "يقود مفاوضات وديّة مع عدد كبير من فصائل الحشد"، مبيناً أنها "تهدف إلى منحهم خيارات أخرى غير البقاء كمسلحي مليشيات عاطلين من القتال". وبحسب المسؤول "تتفاوت العروض بين منحهم خيارات القبول في صفوف الجيش العراقي، أو التشكيلات الأمنية الأخرى أو مؤسسات خدمية لا تشترط تحصيلاً دراسياً، أو منحهم مرتبات تقاعدية وقطع أراض سكنية وامتيازات أخرى"، على حد قوله. ولفت المسؤول إلى أن "عدداً من الفصائل الصغيرة والمتوسطة وافقت على ذلك بشكل مبدئي"، مؤكداً أنّ العبادي يريد أن يكون الإعلان صاردراً عن تلك المليشيات نفسها كمبادرة منها، لذا لن يكون هناك اعتراف رسمي بوجود المفاوضات". وأوضح أن "العبادي يحاول تقليص عدد الفصائل، وعدد العناصر الكبير إلى أقصى حد ممكن في الوقت الحاضر، وليس حلها كما يُشاع ببعض الأوساط السياسية". وأشار إلى أنّ "الفصائل التي ستحل نفسها أو تصوب وضع عناصرها لن يكون من الصعب إعادة تجميعها أو استدعائها بأي وقت، فقياداتها الروحية موجودة ونظمت تلك الفصائل بشكل ممتاز".

وبينما تجري المفاوضات في بغداد، والتي بدا أن العبادي يملك فيها دعماً من المراجع الدينية، لا تزال الصورة ضبابية للتطورات الجارية في النجف. فبعد وصول 12 قيادياً بارزاً من مليشيات الحشد للنجف للقاء المرجع الديني علي السيستاني منذ الأحد، يجري الحديث عن بيان مرتقب من السيستاني، يبارك فيه انتهاء صفحة داعش ويشيد بمقاتلي الحشد وسط تضارب بالآراء حول ما إذا كان المرجع الديني سيعلن انتفاء الحاجة لفتواه السابقة بالجهاد أو ضرورة استمرارها.

وحول ذلك، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "بيان الصدر بتسليم السلاح للدولة الخاص بسرايا السلام يأتي بعد تحقيق النصر على داعش، وتحرير الأراضي العراقية بالكامل، وكمبادرة لدعم الحكومة برئاسة حيدر العبادي".

وتوقع الزاملي أن تقتدي فصائل أخرى قريباً بخطوة الصدر وتتخذ الخطوة نفسها، مبيناً أن "بقاء عسكرة الشارع يثير حفيظة المواطنين، فالعراق متعدد المذاهب والطوائف". وتابع "نحتاج لعسكرة المجتمع عندما يكون هناك خطر، لكن بما أن الخطر زال لا يمكن أن يبقى المجتمع متعكسراً بهذا الشكل، ونأمل فعلاً من الآخرين أن يفعلوا كما فعل السيد الصدر مع سرايا السلام". وأكد أن "على الحكومة أن تبدأ باحتواء المقاتلين برعايتهم وإيجاد وظائف لهم كأولى خطوات إنهاء عسكرة المجتمع وحصر السلاح بيد الدولة".
وحول ما إذا كان يتوقع قرب صدور فتوى بإنهاء تكليف "الجهاد الكفائي" من قبل المرجع الديني علي السيستاني، قال الزاملي إن "هذا الأمر خاص بالمرجعية ولا أعرف ما يدور هناك، وهي أعرف بالمصلحة، لكن يجب الاعتراف بأنه لا يزال هناك خطر إرهابي على العراق، وتسليم الحشد سلاحه للدولة يحتاج لوقت وتأن الآن. كما أن ملف الحشد بات مرتبطاً بالتطورات في المنطقة العربية. ويمكن القول إن الحشد قد يكون له دور في القضية الفلسطينية مثل حزب الله اللبناني"، على حد قوله.

من جهته، أكد المتحدث باسم الحشد الشعبي، كريم النوري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ملف الحشد الشعبي ومصيره يحدده رئيس الوزراء حيدر العبادي باعتباره قائداً أعلى للقوات المسلحة الموجودة في العراق اليوم". ولفت إلى أن "قرار الصدر بشأن سرايا السلام يعود إليه"، واعتبر النوري أن قضية الحشد متعلقة بالقائد العام (رئيس الوزراء حيدر العبادي)، باعتبارها قوة قد يحتاجها العراق مستقبلاً، لذا فإن مسألة حل الحشد أو إبقائه تخضع للنقاشات والدراسات والمصلحة المترتبة على ذلك للعراق، وقبل كل شيء رئيس الوزراء وقادة الحشد هم الذين يناقشون هذا الموضوع".

يأتي ذلك مع إعلان مليشيات الحشد عن سحب السلاح الثقيل من المدن وتقنين وجودها ومقراتها داخلها، وفقاً لنائب رئيس المليشيا أبو مهدي المهندس، في كلمة له ببغداد يوم الأحد بمبنى وزارة الخارجية العراقية. ولفت إلى أن "تقنين الوجود العسكري والمقرات العسكرية خارج المدن سيحتاج إلى جهد دولة".

وفي السياق، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد صلاح الدين، إن "الإعلان عن حل مليشيا أو تفكيكها يبقى صورياً في العراق. فنحن لا نتحدث عن منظمة أو مؤسسة حكومية يجري تفكيكها، لذا أعتقد أن الموضوع مرتبط بالانتخابات بالدرجة الأولى وسعي المليشيات للدخول بثقلها إلى البرلمان، وتحقيق طموحها بحجز ما لا يقل عن ربع مقاعده". ولفت إلى أنه "توجد ضغوط دولية على العبادي بخصوص الحشد، لذا هو يحاول أن ينجز شيئاً من هذا الملف". واعتبر أن "دمج عناصر المليشيات مع الجيش سيزيد من الطابع الطائفي والمذهبي بالقوات العراقية قبل كل شيء"، وفقا لقوله.

ووفقاً لصلاح الدين، فإن "الحل الوحيد لخلق دولة مدنية بدون مليشيات يتمثل في سحب الأسلحة منها، وإعطاء عناصرها منحاً مالية كتكريم على جهودهم ضد داعش، وينتهي كل شيء، ومن ثم إصدار قانون صارم بحق حملة السلاح خارج الجيش والشرطة". وأعرب عن اعتقاده بأن ذلك "لن يتحقق بسبب تدخل إيران بالملف، وأخيراً حزب الله الذي بدا مرتاحاً من لقطات تظهر زعيم أبرز مليشيا عراقية في جنوب لبنان وهو يعلن دعمه لحزب الله بالداخل اللبناني والخارج أيضاً"، في إشارة إلى قائد مليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، قيس الخزعلي.