حماية القوات المسلحة في تونس: القلق من التسلّط يتعمّق

حماية القوات المسلحة في تونس: القلق من التسلّط يتعمّق

23 ابريل 2015
يُخشى على الحريات الاعلامية في تونس (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
يبدي جزء هام من الرأي العام التونسي، خصوصاً الوسط الحقوقي، تخوّفه من عودة سلطة الأمن التي سادت أيام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وتهديده للحريات الفردية والجماعية. في المقابل، يخشى التونسيون أكثر من حرب الاستنزاف التي تخوضها المجموعات "الإرهابية" ضد الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، والتي تنامت في الفترة الأخيرة. ازدادت هذه المخاوف بعد إحالة الحكومة مشروع قانون "زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح" إلى مجلس نواب الشعب، الأسبوع الماضي، وهو المشروع الذي يرمي إلى "حماية أعوان القوات المسلحة من الاعتداءات، التي تهدد سلامتهم"، حسبما ورد في فصله الأول. وبعد الاطلاع على فحوى المشروع، اهتزت أوساط المجتمع المدني، وفوجئ الكثير من أركانه بحجم الصلاحيات والحصانة التي ستتمتع بها الأجهزة الأمنية، وهو ما جعل الكثير من النشطاء يصفون المشروع بكونه ممهّداً لـ"العودة إلى الاستبداد والدكتاتورية".

ودانت "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" المشروع بقوة، ولاحظت أنه يهدد الحقوق الأساسية للمواطن. أما نقابة الصحافيين، فقد رأت في المشروع "ضرباً لحرية الصحافة والتعبير". حتى إن "نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل"، وهي إحدى النقابات الرئيسية داخل المنظومة الأمنية، انتقدت المشروع، واعترفت بأنه يمس حريات أساسية، إلى جانب انتهاكه للعمل النقابي والحق في التظاهر.

أما "الاتحاد العام التونسي للشغل"، فقد وضع "فيتو" على المشروع، واعتبر أنه "يُمهّد لمنع الاحتجاجات الشعبية والاجتماعية ولتدخل الأمن في النزاعات المهنية أيضاً". ودعا أحد أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد، في تصريح لوكالة "أفريقيا للأنباء"، الحكومة إلى "مراجعة جذرية لنصّ القانون"، بحجة أنه "يستهدف الحراك الاجتماعي والتحركات الشعبية والحريات عموماً".

وجاء في مشروع الحكومة أنه "سيُعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام، وبغرامة قدرها 26 ألف دولار، كل شخص لا صفة له لمسك أو استعمال أو حفظ أو تداول سر من أسرار الأمن الوطني، ولتعمّد الاستيلاء عليه أو النفاذ إليه أو الاطلاع عليه أو إتلافه أو نسخه أو إفشائه أو تغييره".

اقرأ أيضاً: النقابي والسياسي في تونس.. الاتحاد العام للشغل والصراعات الحزبية

ومن شأن هذا الجزء من الفصل الرابع من المشروع، أن ينسف الحريات الإعلامية، ويحول بينها وبين التعامل مع الملف الأمني، مهما كانت خطورة هذا الملف وانعكاساته على البلاد وعلى حق المواطن في الوصول إلى المعلومة، وهو الحق الذي ضمنه الدستور التونسي. ويُشكّل هذا البند عيّنة من نصّ المشروع المثير للجدل حالياً. وتعكس هذه الضجة حول مشروع القانون، حالة من اليقظة الجماعية لا تزال تميز النخب التونسية منذ قيام الثورة، وذلك على الرغم الاضطراب الذي يسود حالياً الحياة السياسية.

ولعلّ هذه اليقظة سببها شعور سائد لدى الجميع، بأن الحرية هي المكسب الرئيسي الذي حصل عليه التونسيون بعد انهيار المنظومة القديمة. ومع أن مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" قد مرّ على تقديم نسخته الأولى أكثر من سنتين، إلا أنه لا يزال محل نزاع بين الأمنيين ونواب الشعب، ولم يُحسم حتى الآن.

ويُعدّ القانون الخاصّ بـ"زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح"، الثاني الذي يندرج في نفس السياق، ويتعرّض بدوره لانتقادات واسعة النطاق، من قبل مختلف القوى الرافضة للتعدّي على حقوق المواطنين وحرياتهم الخاصة والعامة.

في المقابل، لا يمنع هذا التصدّي من تأكيد تعلّق التونسيين بالأجهزة الأمنية، التي يرون فيها، إلى جانب الجيش، السدّ المنيع لحماية الدولة من الانهيار، خصوصاً أن التنظيمات العاملة على ضرب مقومات الاستقرار في تونس لا تزال نشيطة، على الرغم من توالي الضربات الاستباقية التي تلقتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وبما أن الأجهزة الأمنية، وخاصة العسكرية، لم تكن مهيأة لمواجهة هذه الجماعات، وتكبّدت خسائر مؤلمة، كلفتها الكثير من الأرواح والجرحى. بالتالي ازدادت الضغوط من أجل حماية الأمنيين تحديداً، عن طريق توفير الأسلحة والمعدات الضرورية في هذه "الحرب"، وهو أمر له كلفته الاقتصادية الباهظة في مرحلة صعبة لا تزال تمر بها البلاد.

من جهة أخرى، يطالب الأمنيون بتغطية قانونية، من خلال تطوير التشريعات القانونية، لتوفير الضمانات الضرورية لأفراد الأمن، وحمايتهم وحماية أفراد أسرهم ومساكنهم وممتلكاتهم خلال المواجهات المسلحة أو بعدها، وتوسيع صلاحيات الأمنيين، خصوصاً خلال المواجهات المباشرة.

اقرأ أيضاً: حكام تَخصُّص نهب الشعوب