ارتياح روسي لفشل استفتاء مقدونيا: مخاوف من توسّع "الأطلسي"

ارتياح روسي لفشل استفتاء مقدونيا: مخاوف من توسّع "الأطلسي"

04 أكتوبر 2018
مقدونيون يحتفلون بفشل استفتاء تغيير اسم دولتهم (Getty)
+ الخط -
أثار فشل استفتاء تغيير اسم جمهورية مقدونيا الواقعة في شبه جزيرة البلقان جنوب أوروبا، ارتياح الأوساط السياسية الروسية، في ظلّ إدراكها أنّ نجاحه كان سيسرّع عملية انضمام بلد جديد إلى الاتحاد الأوروبي و"حلف شمال الأطلسي" الذي ترى موسكو في توسّعه تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

وبعد سنوات طويلة من الخلافات مع اليونان على اسم الجمهورية اليوغوسلافية السابقة، كان من شأن الاستفتاء على تغييره إلى "جمهورية مقدونيا الشمالية" حتى لا يتطابق مع اسم منطقة مقدونيا في اليونان، أن يمهّد الطريق لوضع حدّ للخلاف مع أثينا، والمضي قدماً في التكامل مع أوروبا و"الأطلسي".

إلا أنّ هذه المبادرة لم تلاقِ رواجاً بين سكان مقدونيا الذين عزفوا عن الذهاب إلى مكاتب الاقتراع، لتبلغ نسبة المشاركة في الاستفتاء نحو 37 في المائة فقط. ورغم أنّ نسبة المصوتين لصالح تغيير الاسم بلغت 91.5 في المائة، إلا أنّ نسبة المشاركة التي كانت دون الـ50 في المائة، حالت دون إتمام الاستفتاء الذي أُجري يوم الأحد الماضي.

وتعليقاً على هذه النتائج، رأى أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أنّ هذا التطوّر يعتبر إيجابياً بالنسبة لموسكو. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "هذا شأن مقدوني داخلي، لكنّ روسيا ترحّب بعدم إتمام الاستفتاء وتراه أمراً إيجابياً، لأنها تعتبر أنّ توسّع الأطلسي له أبعاد عدائية تجاه موسكو، كما أنه يزعزع الاستقرار في أوروبا".

وحول العوامل التي ساهمت في عزوف المقدونيين عن المشاركة في الاستفتاء، اعتبر كوكتيش أنه "لم يحظَ قرار تغيير اسم البلاد بأي شعبية، لأنه كان سيعني التخلّي عن صفة وطن الإسكندر الأكبر لصالح التحوّل إلى بلد بلقاني صغير، فاستمع سكان البلد إلى صوت العقل واستجابوا لغريزة حفظ هويتهم الوطنية بدلاً من التشتّت في العالم الغربي".

من جهته، اعتبر نائب رئيس تحرير موقع مركز "كارنيغي" في موسكو، مكسيم ساموروكوف، أنّ استفتاء مقدونيا "كان من شأنه أن يصبح رمزاً قوياً لاستعادة الغرب دوره في تحقيق الاستقرار في البلقان، وأنه لم يتم نسيان الوعود السابقة، ويمكن لدول البلقان الانضمام إلى ازدهار أوروبا الموحّدة في حال إجراء الإصلاحات اللازمة والمصالحة فيما بينها".


وفي ورقة بعنوان "تغيير الاسم بلا نصاب قانوني. ماذا يعني فشل استفتاء مقدونيا للبلقان والاتحاد الأوروبي وروسيا؟"، رأى الباحث الروسي أنّ "نسبة المشاركة المقدونية حطّمت الأحلام بإمكانية عرض أي أجندة إيجابية على الناس بواسطة النخب، حتى يصوتوا لصالحها"، مضيفاً أنّ "القسم النشيط من المجتمع والمعني بالتكامل مع العالم، قد غادر إلى أوروبا من دون انتظار دعوات واستفتاءات".

وحول استفادة موسكو من التطورات الأخيرة، أضاف ساموروكوف أنّ "الاستفتاء منح أخيراً فرصة لروسيا لتبرئة نفسها من الاتهامات التي تراكمت خلال السنوات القليلة الماضية بالتدخل في الشؤون الداخلية المقدونية"، مشيراً إلى أنّ "اهتمام موسكو بمقدونيا يقتصر على آفاق انضمامها إلى حلف الأطلسي"، على غرار انضمام جمهورية الجبل الأسود اليوغوسلافية السابقة إلى الحلف في العام الماضي.

ويحمل الاستفتاء طابعاً استشارياً، إذ لا يزال أمام السلطات المقدونية مجالٌ لتغيير اسم البلاد عن طريق تعديل الدستور، مما يتطلّب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان. ولذلك، اعتبر ساموروكوف أنّ "استفتاء تغيير الاسم أظهر بوضوح أنّه من المستحيل وقف هذه العملية، ولن تساعد في ذلك لا تصريحات روسيا الحازمة ولا محاولاتها إيجاد حلفاء بين صفوف النخبة المقدونية، إذ تم حسم الخيار منذ فترة طويلة ويبقى تدقيق التفاصيل". ومع ذلك، خلص ساموروكوف إلى أنّ "انضمام مقدونيا إلى الأطلسي لن يعزّز الحلف بأي شكل من الأشكال، بل سيخلق مشكلات إضافية له".

وفور ظهور نتائج استفتاء مقدونيا وسط ترحيب قيادة الاتحاد الأوروبي والأطلسي بنسبة التصويت، سارعت وزارة الخارجية الروسية للتأكيد على أنّ نسبة المشاركة "تدلّ على أنّ الناخبين المقدونيين فضّلوا مقاطعة القرارات المفروضة على إسكوبيه وأثينا من الخارج".

وتعود أصول الخلاف اليوناني المقدوني إلى زمن تفكّك يوغوسلافيا السابقة مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حين رفضت أثينا الاعتراف بالجمهورية المستقلة الوليدة بسبب اسمها، وفرضت حظراً تجارياً عليها. إلا أنّ مثل هذه المواجهة الحازمة لم تدم طويلاً، إذ رفعت اليونان الحظر عن مقدونيا عام 1995، ووافقت على عدم عرقلة عضويتها في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى تحت اسم "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة"، وأقامت علاقات دبلوماسية معها. ومع ذلك، ربطت اليونان قبول مقدونيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بتغيير اسمها بما يرضي الجانبين، من دون أن يتحقق ذلك لأكثر من عقدين.