السيسي... بحر من الوعود الزائفة

السيسي... بحر من الوعود الزائفة

25 ابريل 2016
الشعب المصري ينتفض ضد الفساد (وكالة الأناضول)
+ الخط -
قبل عامين، تبارت وسائل الإعلام في الترويج لتصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي أطلقها خلال برنامجه الانتخابي. فقد تضمنت وعوداً براقة لتحسين مستوى المعيشة عبر محاربة الفقر وتوفير فرص عمل للشباب واستصلاح 4 ملايين فدان من الأراضي.
اشتدت الدعاية البيضاء في العام الأول من الفترة الرئاسية وتحديداً عند الإعلان عن مشروع حفر تفريعة قناة السويس. التقديرات التي أعلنتها هيئة القناة، بناء على دراسات الوحدة الاقتصادية التابعة لها، تظهر أن حفر التفريعة الجديدة سيثمر ارتفاع الإيرادات إلى 13 ملياراً بحلول 2023، على أن يشهد العام 2015 / 2016 وصول الإيرادات إلى 5.5 مليارات دولار، ولكن ما حدث حتى الآن عكس ذلك تماماً.

إذ إنه رغم إنفاق نحو 4 مليارات دولار في حفر التفريعة واستنزاف هذا المبلغ من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، انخفضت إيرادات قناة السويس خلال عام 2015 إلى 5.1 مليارات دولار مقارنة بنحو 5.4 مليارات في أول عام بعد حفر التفريعة. والمفارقة العجيبة، أن الحكومة ووسائل الإعلام الخاصة، دافعوا عن المشروع خلال فترة الحفر، كما رفضوا الإنصات إلى التحذيرات التي وجهها خبراء النقل البحري والاقتصاد بشأن مبالغة المسؤولين في تقديرات الإيرادات المستهدفة خاصةً في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي وحركة التجارة وتراجع أسعار البترول.
الآن بدأت الحكومة ووسائل إعلامها استخدام التحذيرات التي أطلقها الخبراء قبل عامين كمبررات لتراجع إيرادات القناة، ما أثر على الناس الذين أصيبوا بخيبة إزاء دور المشروع في إنقاذ البلاد، حيث سحب المواطنون الثقة في باكورة مشروعات السيسي.
هذه الثقة يتم اغتيالها تدريجياً بطريقة تبدو كأنها منهج متعمد يطبقه النظام الحالي بشكل محترف للغاية. فبعد أن استند برنامج السيسي الانتخابي على استصلاح 4 ملايين فدان من شأنها إحداث نقلة نوعية في تحقيق الأمن الغذائي لمصر، توارى هذا الوعد. ففي الوقت الذي حذر فيه خبراء المياه والزراعة عند إعلان هذا المشروع من نقص الموارد المائية في البلاد بشكل لا يسمح باستصلاح أكثر من 850 ألف فدان، ومن الأفضل التركيز على الحفاظ على الرقعة الزراعية الحالية من التآكل، أصر النظام أن الإمكانيات المتاحة تسمح باستصلاح 4 ملايين فدان، وأن الانتقادات الموجهة للمشروع مجرد نقد هدام يرمي إلى النيل من عزيمة الشعب.

ولم يتطلب الكشف عن حقيقة المشروع أكثر من عام واحد، حتى أعلن وزير التخطيط أشرف العربي أن استصلاح 4 ملايين فدان يحتاج إلى تكاليف مرتفعة نظراً لأن المشروع يشمل بناء مجتمعات عمرانية، الأمر الذي بدوره يتطلب الانتظار حتى تضع الدولة خطة تدبير الموارد المالية اللازمة للمشروع.
وبعد مرور 16 شهراً كاملًا على رئاسة السيسي للبلاد، أعلن إطلاق إشارة البدء في استصلاح 500 ألف فدان كمرحلة أولى من مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان فقط، مُتناسياً وعده باستصلاح 4 ملايين فدان.
وجاء إعلان السيسي دون مصارحة الشعب بأسباب خفض المساحة المستهدفة بالاستصلاح. بل اعتبر أن استصلاح 500 ألف فدان الآن إنجاز كبير يستحق تغاضي الشعب عن الوعود السابقة.
لم تقف الوعود الزائفة عند مشروعي تفريعة قناة السويس أو خطة استصلاح الأراضي، إذ إن وعد السيسي بتوفير وحدات سكنية لمحدودي الدخل بمساحة 67 متراً مربعاً بأسعار مناسبة بات أيضاً صادماً للشعب.
فالحكومة بمنتهى البساطة تطلب من الشعب الاقتناع بأن بيع وحدة الإسكان الاجتماعي أي المدعومة، لمحدودي الدخل بسعر 150 ألف جنيه رقم جذاب للغاية، هذا على الرغم من أن مساحة الشقق المماثلة التي يبيعها القطاع الخاص تدور حول المبلغ نفسه، فأين الدعم إذاً؟
أما الوعد الأكبر الذي ركز عليه السيسي ويُردده في كل حديث، فهو تحسين مستوى معيشة الشعب، حتى استقر هذا الوعد في ذهن المواطنين كجملة أساسية ضمن ديباجة خطاب مُرسل لا يمت للواقع بصلة. كما أن الحديث عن رفع مستوى الدخل لم يتحقق. فالنظام بعد أن اكتشف عجزه عن إنجاز أي خطوة في هذا الملف، عاد لاستحضار الماضي مرة أخرى بوضع أرقام ومؤشرات مستهدفة طويلة الأجل في خطة تنتهي بحلول عام 2030.
ويتم الآن تسويق الخطة بأنها تحمل النعيم للشعب دون أن تذكر له كيف ستتحقق مؤشراتها. على سبيل المثال ما هي الآليات التي ستوظفها الحكومة لخفض معدل الفقر الرسمي من 26.3% إلى 15% وإن كانت بيانات الأمم المتحدة تقترب فيها نسبة الفقر من 50%؟ وأيضاً لم تذكر الخطة كيف ستنخفض معدلات البطالة من 22.8% إلى 10% أو حتى كيف سيتراجع مؤشر التضخم الذي يقيس حركة الأسعار من 11.8% الآن إلى 3% مستقبلاً رغم التحليلات الاقتصادية التي تشير إلى أن الأسعار في زيادة مضطردة؟ الأمر لا يخرج عن كونه مجرد وعد يسوقه النظام للشعب حتى يهدأ من أي صدام معه إزاء الوعود الزائفة الماضية. ولكن في الأغلب لن يستغرق المواطنون كثيراً حتى يتأكدوا من عدم وجود أساس حقيقي لهذه الوعود الجديدة أيضاً.

المساهمون