"نهايات سعيدة": "حساسية" من ذاكرة الثورة

"نهايات سعيدة": "حساسية" من ذاكرة الثورة

03 مايو 2018
(من الفيلم)
+ الخط -

لا يزال التعاطي مع "ثورة يناير" يجري بطريقة يمكن وصفها بالعاطفية، ونادراً ما يتم التعاطي معها بطريقة فكرية ترغب في مراجعة الأخطاء، حيث تسيطر في الأغلب الدفقات الشعورية واللاشعورية في صورة إحباط أو حنين أو فانتازيا أو بطولة، أو من خلال استدعاء حالة الضحية.

ينطلق الفيلم التسجيلي "نهايات سعيدة"، لندى رياض وأيمن الأمير، من هذه الانشغالات حول الثورة وضياعها، وضياع مسار وخطط وأحلام شخصيات تشعر بأنها وُلدت مع الثورة وتضيع بالضرورة معها، فالثورة في مصر أصبحت ترتبط لدى البعض بشكل أو بآخر بما هو شخصي وليس بما هو عام فحسب، بمعنى أن تتحوّل فكرة الثورة والتغيير كجزء لا يمكن حذفه من أي قرار شخصي سواء قرار زواج أو سفر أو عمل وما يتولد عن ذلك من صراع نفسي.

تدور أحداث الفيلم بشكل رئيسي عبر حوار متصل بين ندى رياض وأيمن الأمير اللذين ربطت بينهما الثورة في البداية، لكن الوضع المحبط للثورة سياسياً واجتماعياً جعل أيمن يفكر في الخروج من مصر لاستكمال دراسة السينما والهروب من الصورة التي تزداد قتامة، فيما ترغب ندى في البقاء، فهي ترى أن استكمال مشروع الثورة واجب حتى لا تقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه والداها من نشطاء جيل السبعينيات حينما سافرا من مصر محبطين وعادا إليها لا يرددان سوى أغاني الشيخ إمام.

يتواصل الفيلم كمحاولات للإقناع بين الطرفين. هذه المحاولات تنتهي جميعها بالفشل الذي أصبح يهدد العلاقة رغم متانة رابطها العاطفي، فالأسباب المقنعة هشة نتيجة حالة الإحباط والحيرة، فندى نفسها التي قد نعتقد أنها الأكثر مثابرة ورغبة في استكمال الطريق لا تعرف كيف تخدم الثورة وهي التي اعتادت على التظاهر ولا تدري ماذا تفعل كخطوة تالية، وأيمن الذي يبدو مصرّاً على ترك مصر هو في الحقيقة راغب في البقاء، وخيار الهجرة بمثابة حيلة نفسية للهروب مع إحساس واضح بالذنب.

يلخّص مشهد الدراجة التي ترغب ندى في تعلم قيادتها حالة العجز والتخبط، فالدراجة التي ستسمح لها بحرية الحركة ومراوحة مكانها لا تعرف كيف تتعامل معها رغم محاولاتها المتكررة في التعلم على يد أيمن، في المقابل، فإن الأخير يعرف جيداً كيف يراوح مكانه دون أثقال نفسية كبيرة.

فيلم "نهايات سعيدة" كان من المقرّر عرضه ضمن "أيام القاهرة السينمائية"، التي اختتمت الإثنين الماضي، وتم منعه من العرض، وهو منع غريب إذا فكرنا بطريقة الرقيب، فالفيلم لا ينتقد النظام الحالي بشكل مباشر أو غير مباشر، هو فيلم عن الهزيمة والمهزومين وأحلام ضائعة ومصير حائر لحلفاء الثورة.

يبدو أن الرقيب لم ير من الفيلم سوى أول مشهد والذي تظهر فيه الناشطة السياسية ماهينور المصري وهي تغني وتصفق مع آخرين ضمن حفل زفاف، ولم تظهر مرة أخرى بعد ذلك، لكن يبدو أن هذه اللقطة العابرة أثارت حفيظة ورعب الرقيب وقرّر إلغاء عرض الفيلم برمّته، لأنه ربما يرغب - إلى جانب حذف أرشيف الثورة - بأن تُنسى وجوهها المعروفة كأنها لم تكن.

دلالات

المساهمون