لو كوربوزييه.. مساهمة ضمنية في مأساة العالم

لو كوربوزييه.. مساهمة ضمنية في مأساة العالم

18 ابريل 2020
لو كوربوزييه خلال اجتماع تصميم مقر الأمم المتحدة، 1947(Getty)
+ الخط -


في 2015، أحيا العالم الذكرى الخمسين لرحيل أحد أبرز معماريّي العصور الحديثة وأكثرهم تأثيراً في مدن العالم ومجتمعاته، إنه المهندس السويسري الفرنسي شارل إدوار جانري-غري، المعروف باسم لو كوربوزييه. في ذلك العام صدرت كتب كثيرة حول تجربته ونظرياته، واعتمدت اليونسكو عدداً من أعماله ضمن قائمة التراث العالمي على حداثة بنائها. لقد بدا للجميع أن إشعاع لو كوربوزييه يتزايد بمرور الوقت.

لكن سنة 2015 نفسها كانت فرصة لإثارة إشكاليات وانتقادات كثيرة حول المعماري الرائد، ففي فرنسا مثلاً صدرت - ضد هذا التيار التمجيدي - ثلاثة أعمال تنتقد لو كوربوزييه (1887 - 1965)، من زوايا متعددة؛ الأول بعنوان "كوربوزنييه" لـ فرانسوا شازلان، وفيه يضيء حياة المعماري من زاوية عالم الأعمال والصفقات، والثاني بعنوان "لوكوربوزييه: فاشية فرنسية" لـ إكزافييه دو جارسي ويتحدّث عن علاقات المعماري مع الأنظمة الشمولية، وأخيراً كتاب "لو كوربوزييه: نظرة باردة للعالم" لـ مارك بيريلمان.

على مسافة من خمس سنوات على هذه الموجة من المؤلفات، صدر مؤخراً كتاب بعنوان "لو كوربوزييه 1930 - 2020: سجالات، ذاكرة وتاريخ"، وهو عمل أصدرته منشورت "تالاندييه" وأشرف عليه ريمي بودوي، وينطلق من المؤلفات النقدية التي صدرت في 2015 حول لو كوربوزييه ولم يكن من الممكن وقتها أن يتثبّت أحد من صواب فرضياتها أو التدقيق في القرائن التي قدّمها المؤلفون. هكذا يبدو العمل الجديد حول المنظّر المعماري مثل تحقيق موسّع حول تهمٍ طاولته.

لعلّ الأهمية التي يأخذها لو كوربوزييه تتعلّق بتأثيره القوي في عالم اليوم، إذ يعتبر المعماري التي تجسّدت رؤاه على مدى موسّع، فقد أصبح معه الإسمنت المسلّح حلاً سحرياً لبناء عمودي يستوعب الانفجارات الديمغرافية. تجدر الإشارة هنا إلى أن لو كوربوزييه كان من المصمّمين المعماريين الذي طوّعوا هذه المادة جمالياً، وهي التي اعتبرت من قبل معظم معماريي عصره تغليباً للصناعة على الإبداع في فن العمارة.

اختار المشرفون على الكتاب أن يكون عام 1930 نقطة بداية، على خلفية أنها السنة التي مُنح فيها لو كوربوزييه الجنسية الفرنسية. هذه النقطة أساسية لأنها معيار "محاسبة" لو كوربوزييه من منطلق سياسي، حيث نجد توثيقاً لرحلة المعماري إلى إيطاليا في 1934 ولقائه بموسيليني، كما رصدوا بعضاً من أقواله الممجّدة لهتلر وترحيبه بحكومة فيشي المتواطئة مع الاحتلال النازي لفرنسا.

لكن نزعة التقصّي لا تقف عند هذه الجوانب، بل تمتد إلى عمارته نفسها، فبعد مرور عقود طويلة على إدماج منطق لو كوربوزييه في السياسات العمرانية لمعظم دول العالم، أصبح من الممكن تقييم هذا التوجه، وقد بات المعماريون المعاصرون يؤكّدون على ما تلعبه هذه العمارة في إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية وخنق الروح الإبداعية للطبقة الوسطى. ولعلّ الحَجر الصحّي الذي تعيشه مجتمعات كثيرة اليوم، وما ينجرّ عنه من شعور بالاختناق لدى سكّان العمارات، يؤكّد أن عمارة لو كوربوزييه لم تكن كما يظن حلاً سحرياً لأزمات العصور الحديثة.

المساهمون