"التواصل في العصر الرقمي": أخلاقيات هبرماس للنقاش

"التواصل في العصر الرقمي": أخلاقيات هبرماس للنقاش

16 ديسمبر 2017
(هابرماس)
+ الخط -
في كتابها "أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنموذجاً"، الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، تجيب الباحثة الأردنية أسماء حسين ملكاوي عن السؤال الآتي: هل نظرية أخلاقيات النقاش التي قدّمها عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني يورغن هبرماس (1929)، باعتبارها آلية للاتفاق وحل الخلافات وآلية للوصول إلى معايير خلقية، قابلة للتعميم من خلال النقاش العقلاني، خصوصاً بطرائق التواصل التقليدية المباشرة، أم هي ممكنة التطبيق من خلال تقانة التواصل الرقمي الجديدة؟

تفترض الباحثة أنه كلما زادت تقانة التواصل والاتصال تقدّماً، زادت حدة الخلافات والصراعات بين الجماعات والشعوب والأمم من ناحية، ومن ناحية أخرى في سياق البحث عن وظيفة جديدة تقوم بها فلسفة التواصل في عصر يشهد تحوّلات هائلة في وسائل الاتصال والتواصل الإنساني، فتتعامل مع ما نتج من هذا التحوّل من أثر في إدراكنا مجموعة من المفاهيم التي تشكل وجودنا.

يأتي الكتاب في أربعة فصول؛ الأول بعنوان "نظرية هبرماس بين الفلسفة وتحولات العصر"، وفيه تتناول الباحثة موقفاً لا بد للفلسفة التواصلية من أن تتخذه باعتباره معطى من معطيات العصر الرقمي الجديد، كما تتحدث عن ضرورة ارتباط النظرية بالتطبيق في الواقع العملي، وعن الإمكانات التطبيقية لنظرية الفعل التواصلي عند هبرماس.

وجدت ملكاوي أن هبرماس يؤكد أن العقلية التواصلية ستقرّب العلم إلى الفلسفة، "لأن الوصول إلى اتفاق من خلال الجدل والنقاش أمر شائع في الخطابات العلمية والفلسفية على السواء. وأشار في المقابل إلى أن الفلسفة تفتقر إلى وجود القواعد التأسيسية أو السلطة التي تمكّنها من توجيه الممارسات الثقافية الأخرى أو الحكم عليها".

"خصائص التواصل الرقمي: تحوّل مفاهيمي وملامح نظرية تواصلية"، عنوان الفصل الثاني الذي قدمت فيه ملكاوي تشخيصاً لأبرز معالم العصر الرقمي، مبرزةً التحول الوجودي المرتبط باستخدام شبكات التواصل الرقمي كالفيسبوك، ثم جعل ذلك من أهمّ المفاهيم التي تشكل الوجود الإنساني، كمفهوم الاتصال، والمجتمعات أو الجماعات، والزمان والمكان، والهُويّة واللغة، والحرية والإعلام. كما سعت إلى تحديد معالم ما يمكن تسميته انقلاباً وجودياً أو انقلاباً في البنية المفاهيمية، مرتبطًا باستخدام شبكات التواصل الرقمي الذي جعل الحاجة ضرورية إلى إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم.

في الفصل الثالث، "أخلاقيّات التواصل: الأسس النظرية والمفاهيم المركزية"، تعرض الكاتبة لأبرز الأدبيات السابقة التي تحدثت عن هذه النظرية، وإمكاناتها التطبيقية بدءًا من محاولات هبرماس ذاته، ومن ثم محاولات أخرى في ميادين معرفية منوّعة، وأخيراً في مجال تقانة التواصل الرقمي.

ترى ملكاوي أن هبرماس سعى في نظريته الخلقية إلى بناء أساس عالمي قابل للتعميم في ما يخص صلاحية الحديث أو الكلام، واقترح اسم البراغماتية العالمية المعمّمة في سبيل إعادة بناء الافتراضات العامة لإجراء فعل كلامي توافقي.

أما الفصل الرابع والأخير المعنون بـ "أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي: ممكنات وتحديات"، فقد ضمنته ملكاوي مهمة توفيقية بين واقع التواصل الرقمي ونظرية هبرماس في أخلاقيات النقاش. كما اهتمت أيضاً في هذا الفصل بتحليل واقع الأخلاق على صفحات موقع فيسبوك، من خلال حصر الصفحات التي اهتمت بها وإحصائها، وتحليلها بما يخدم الوصول إلى نتيجة نهائية في شأن الفيسبوك في تفعيل النقاش العقلاني الأخلاقي في جانبيه.

تكتب ملكاوي في ملاحظاتها الختامية: "يمكن القول إن التقانة التواصلية، بما هي أحد مخرجات الحداثة، ستضع الحداثة أمام فرصة إصلاح أمراضها من داخلها وبأدواتها، حيث ستجد هذه الأمراض المتمثلة في غياب الأخلاق والقيم الإنسانية نفسها، أمام تحدي مواجهة نفسها عبر تطبيقات التواصل الرقمي، فتكون مطالبة باستغلالها لإصلاح ذاتها وانتشال مبادئها وقيمها من وحل ما أفضت إليه الحداثة وما بعدها، أو أنها ستغرق وتختفي ثم تعلَن وفاتها".

المساهمون