كتب المجال العام: حيث تختبئ قارة منسية

كتب المجال العام: حيث تختبئ قارة منسية

02 مايو 2020
من مكتبة في باريس، نيسان 2020 (Getty)
+ الخط -

عند دخول أي مكتبة، سواء كانت فضاء واقعياً أو افتراضياً، فإن تصنيف الكتب المعروضة فيها يقوم عادة على أساس الأجناس الأدبية (رواية، شعر، مسرح...) أو المجالات المعرفية (فلسفة، علم اجتماع، تاريخ...)، أو على الفئات العمرية. لكن هل سبق أن وجدتهم زاوية بعنوان "المجال العام"؟

يبدو أن أحد انعكاسات فيروس كورونا الجانبية كان إظهار تصنيف جديد، كما هو الحال مع أحد أبرز مواقع الكتب الفرنسية؛ "شارع الكتب"، حيث أطلق مؤخراً زاوية كتب جديدة بعنوان "المجال العام". فإلى جانب كتب الفن والتاريخ والعلوم الإنسانية وكتب الأطفال والمعاجم وغيرها من التصنيفات، بات هناك مدخل جديد بهذا الاسم الذي لم يتعوّده المتصفّحون، والمقصود بها كتب لم تعد عليها حقوق ملكية، وبالتالي يمكن للناشرين في إعادة طبعها وتقديمها في طبعات زهيدة الثمن أو حتى إلكترونياً.

ضمن هذا التصنيف اقترح الموقع مجموعة تتكوّن من عشرين عملاً كدفعة أولى، ومعظمها من الكلاسيكيات المعروفة مثل "المحاولات" لـ ميشيل دو مونتاني، و"البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست، والأعمال المسرحية لموليير وكورناي بالإضافة إلى روايات لبروسبيه مريميه، ومن غير الفرنسيين تحضر إلى الآن فقط أعمال لوليم شكسبير وروبرت لويس ستيفنسون ومارك توين.

هذه الأعمال تبدو في معظمها قد أُشبعت قراءة، خصوصاً وأن معظمها ضمن البرامج المدرسية، وبالتالي لن تخلق حركية قراءة خاصة، رغم ذلك فإن التصنيف الجديد يمكن أن يخلق تحوّلات في ذائقة الجمهور لو جرت إدراته بسياسات منهجية، فكتب المجال العام لا تعني الكتب المعروفة أو المستهلكة وحدها، بل إنها مساحة يمكن من خلالها اكتشاف قامات أدبية كان احتكار ناشر أو اشتراطات الوكلاء والورثاء عواملَ أعاقت وصولها إلى الجمهور، ولعلّ الفكرة العميقة من وراء هذه القاعدة في عالم الكتب هو عدم قصر المعرفة على الاستثمار المادي المباشر (من عشر إلى خمسين عام بحسب قوانين كل بلد)، حيث أن المنطق المعرفي أو الثقافي ينبغي أن يتغلّب في وقت من الأوقات على البعد المادي، ولا يخفى أن كثيراً من الورثاء - ومعظمهم من خارج دوائر الأدب والعلم - قد جنوا على إبداع آبائهم باسم حقوق الملكية.

كتب المجال العام تمثّل فضاء ثقافياً تعبره رهانات عدة، وكان هذا المفهوم قد جرى تداوله بشكل موسّع مع دخول كتاب "كفاحي" لأدولف هتلر حيّز المجال العام في 2016، وبذلك رُفعت كل وصاية على كتاب اعتبر خطيراً. وإذا كان "كفاحي" كتاباً قد وقع في المجال العام بكثير من الاهتمام، فإن كتباً كثيرة أخرى تدخل إليه بانتظام دون أن ينتبه إليها أحد، وبالتالي فهي تمدّ عالم الكتاب بآفاق تنشيط تبدو مهدرة إلى اليوم.

لكن، لماذا هذا الاهتمام مفاجئ من موقع "شارع الكتب" بمؤلفات "المجال العام"؟ يتعلّق الأمر ببساطة بمسارين مضادين انبجسا من وقع الحجر الصحّي؛ الأول هو العودة إلى القراءة كأحد أكثر أشكال تمرير الوقت فائدة، والثاني هو التشدّد الذي بدا على معظم دور النشر في إتاحة الكتاب إلكترونياً، وذلك تخوّفاً من التسبّب في موت الكتاب الورقي، وبالتالي فإن منطقة وسطى بدأت بالتشكّل؛ إنها على الأرجح قارة منسية.

المساهمون