يوم قتلوا أمي بفأس

يوم قتلوا أمي بفأس

16 سبتمبر 2017
لكلّ فلسطيني من سكان المخيم شهداؤه (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم ينسَ الفلسطينيون حتى اللحظة المجازر التي كان أهلهم وأقاربهم ومواطنوهم ضحية لها في لبنان، بعد نكبة العام 1948 سواء على يد الصهاينة أو أطراف أخرى. من بين أفظعها مجزرة صبرا وشاتيلا خلال الاجتياح الصهيوني لبيروت عام 1982، التي تصادف ذكراها السنوية الخامسة والثلاثون اليوم بالذات.

مجزرة أشرف عليها رئيس وزراء الاحتلال السابق، ووزير دفاعه في ذلك الوقت، أرييل شارون، ونفذتها قوات الكتائب اللبنانية، وجيش لبنان الجنوبي المتعاون مع الاحتلال. عدد ضحايا المجزرة غير معروف لكنّ التقديرات المختلفة تشير إلى أنّه يتراوح بين 750 و3500 ضحية من النساء والأطفال والرجال، غالبيتهم من الفلسطينيين.

وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، واستمرت ثلاثة أيام كان فيها المخيم مطوقاً عبر قوات الاحتلال، تاركاً المجال للمليشيات اللبنانية الحليفة بالتنفيذ الذي استخدمت فيه الأسلحة البيضاء وغيرها، لتصفية سكان المخيم بعيداً عن أعين وسائل الإعلام.

بدأت أحداث الجريمة بدخول ثلاث فرق إلى المخيم، بحجة وجود 1500 مقاتل فلسطيني فيه، في الوقت الذي كان فيه جميع المقاتلين الفلسطينيين قد غادروا بيروت كلها عبر البحر وتوجهوا إلى تونس. وبعد المجزرة أشارت تقارير إلى وجود أطفال غرقى في دمائهم، وحوامل بقرت بطونهن، ونساء اغتصبن قبل قتلهن، ورجال وشيوخ ذبحوا ذبحاً.

فاطمة أحمد الخطيب فقدت عدداً من أفراد عائلتها في مجزرة صبرا وشاتيلا. من بين هؤلاء والدتها وعائلة أختها، التي بلغ عدد أفرادها عشرة أشخاص. تقول: "كنا نعيش في مخيم تل الزعتر لكن بعد المجزرة التي وقعت فيه عام 1976 واستشهد فيها أخي وأولاده الأربعة، تركنا المخيم مرغمين إلى أماكن مختلفة، فذهبت أختي إلى مخيم شاتيلا لتعيش فيه، أما أنا وأولادي فقد ذهبنا إلى منطقة الدامور فمكثنا هناك طوال عامين، ومن بعدها إلى الروشة في بيروت". تتابع: "كانت أمي تعيش معي، لكن في وقت المجزرة كانت تزور أختي في شاتيلا، وهناك كان مصيرها الاستشهاد مع أختي وزوج أختي وبناتهما الأربع وأولادهما الأربعة".




تتابع فاطمة: "بعد سماعنا بالمجزرة، ذهبت مع أختي الثانية إلى مخيم شاتيلا لنطمئن، لكنّ الجيش اللبناني منعنا من دخول المنطقة، وبعد إلحاحي على العناصر، سمحوا لي بالدخول، فصرت أفتش عن أختي وأولادها وأمي. ذهبت إلى بيتهم فلم أجدهم، ورحت أنادي عليهم بأسمائهم، فلم يردّ عليّ أحد، ولم أجد في البيت غير التراب الذي كان يغطي المكان". تضيف: "أخبروني أنّ جثث الشهداء موجودة في ساحة الشهداء في أول المخيم. هناك كانت الجثامين مرمية يميناً ويساراً. لم أرَ مثل هذا المنظر من قبل، وفجعت لهوله فالجثث كانت مكدسة فوق بعضها البعض. رحت أفتش بين الجثث عن أقاربي فلم أجد أحداً، إلاّ أنّي تعرفت على جثة أمي من خلال ملابسها، ولم أر وجهها، فقد قتلت بضربة بلطة (فأس)". تقول: "بعدها ذهبنا إلى بيت أختي في شاتيلا، وكانت على الطاولة بطيخة قسمت نصفين، لكن لم يتسن للعائلة أكلها".

تروي فاطمة كثيراً من التفاصيل المؤلمة عن تلك الأيام المشؤومة التي عاش فيها الفلسطينيون أهوال الحرب الأهلية اللبنانية: "أمي كانت امرأة كبيرة في السن. وعندما وجدت جثمانها لففته ببطانية، ثم تابعت بحثي عن أختي وأولادها. بحثت في كلّ بيت من البيوت التي كانت كلّها مدمرة، ولم أجد أحداً منهم. أحدهم قال لي إنهم كانوا مختبئين في منزل أبي جمال الذي دمر فوق رؤوسهم. وبالفعل، كانت جثامين كثيرة متكومة بين الدمار، رشّ عليها الكلس. في النهاية تمكنت من العثور على واحد من أبناء أختي حياً، وكان يبلغ أربعة عشر عاماً، إذ تمكن من الهرب وحده ليلة جاء القتلة إلى المخيم".

دور الاحتلال

لم تقتصر مساعدة قوات الاحتلال الإسرائيلي على تطويق صبرا وشاتيلا، بل وجهت الأضواء الكشافة إلى المنطقة من ناحية المدينة الرياضية التي تعلوها، وألقت القنابل المضيئة فوقها، كما منعت دخول الصحافيين والمصورين حتى انتهت المجزرة. يومها استفاق العالم بأكمله على أخبار مذبحة لم يشهد مثيلاً لها في العصر الحديث، إذ لم تبقَ عائلة إلاّ وفقدت عدداً كبيراً من أبنائها.