صبرا وشاتيلا تعيش معنا

صبرا وشاتيلا تعيش معنا

16 سبتمبر 2016
كثيرون لم ينسوا (ماركو دي لاورو/ Getty)
+ الخط -
في السادس عشر من سبتمبر/ أيلول 1982، وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا في العاصمة اللبنانية بيروت التي باتت أول عاصمة عربية يحتلها الصهاينة. ارتكبت المجزرة مليشيات لبنانية يمينية بدعم من الغزاة الصهاينة. الذكرى تعيش اليوم مع من اختبروها ومن تأثرت حياتهم بها لاحقاً، خصوصاً من فقدوا معظم أهلهم في المجزرة، ورأوا بعيونهم ما جرى.

يروي كثيرون منهم كيف كان يوماً غير عادي. الدم في كلّ مكان وأجساد الضحايا المدنيين في المخيمين الفلسطينيين تنتشر في كل الأزقة والبيوت. هم فلسطينيون ولبنانيون لقوا حتفهم بأبشع الطرق، حتى إنّ بعضهم قتل بالسلاح الأبيض.

أبو علي سرور أحد هؤلاء. كان في العشرين يوم قُتل في المجزرة والده وأشقاؤه الخمسة. يقول: "بعد انسحاب المقاومة الفلسطينية من بيروت، وقعت المخيمات الفلسطينية تحت حماية القوات الدولية، حفاظاً على الأهالي. تفاجأنا لاحقاً أنّ القوات الدولية انسحبت من محيط المخيمات، وهي قوات أميركية وبريطانية وإيطالية وفرنسية. بعد انسحابها، تقدمت في اتجاه السفارة الكويتية، والمدينة الرياضية (منطقتان محيطتان بالمخيمين من الغرب والجنوب) قوات الغزو الصهيوني. شعرنا بالخوف، فلم نكن نعرف ما الذي يريده هؤلاء". يضيف: "ذهبنا إلى الصهاينة لنسألهم عمّا يريدون منا بعد خروج كلّ فدائيي المقاومة من المنطقة. وكانت إجابتهم دائماً أنّهم لا يريدون أن يؤذوا المدنيين".



يتابع: "بعد ذلك، شعرنا بالاطمئنان أنهم لن يدخلوا المخيمين ولم يكن أحد يتوقع ارتكاب مجزرة فينا. قبل المجزرة بيوم واحد، ظهر أشخاص بزي مدني وآخرون بزي عسكري في المنطقة. كانوا يسألون عن هوية أصحاب البيوت. تسربت إلينا الشكوك، لكن في اليوم نفسه خرجنا نحو مدخل صبرا الجنوبي، حيث ساحة أبو حسن سلامة. هناك كنا نملأ المياه في أوانينا من الماسورة المفتوحة، فلا مياه كانت تصل إلى المخيم. في تلك الأثناء كان الصهاينة يتجهون من السفارة الكويتية في اتجاه مستشفى عكا وجسر المطار (شرق المخيمين). هناك أطلق أحدهم النار على الصهاينة فأصيب أحد الجنود. أخلى الصهاينة المكان بالكامل. أما داخل المخيم فقد فجرت مجموعة من الشبان مستودع أسلحة كان تابعاً للجبهة الشعبية. عندها ظن الأهالي أنّ الصهاينة يقصفون المخيم فخرج كثيرون منه. عائلتي وأنا بقينا مع آخرين كثر".

في كلّ الأحوال كان صوت القصف ولو أنّه لم يكن على المخيمين يقترب خصوصاً في الليلة التي سبقت المجزرة. وفي الصباح عند الساعة السادسة إلاّ ربعاً صعد أبو علي إلى الطابق العلوي من منزلهم. هناك رأى مسلحين يتجهون نحو الحيّ. أخبر أهله، فلم يصدقوه، وأرسلوا أخاه معه للتأكد. وبالفعل، شاهدا المسلحين يهاجمون أحدهم، ولم يكن أحد يعلم أنّ مجزرة تدور في صبرا وشاتيلا.

يقول أبو علي: "خرج أخي وابن عمي من البيت، وبقيت أنا مع أهلي، وعندما اقتربوا من منزلنا طلبت من والدي أن نهرب، لكنه رفض قائلاً: أنا رجل كبير اهرب أنت. عندها خرجت، ورأوني أهرب. طلبوا مني التوقف فلم أفعل بالرغم من إطلاقهم الرصاص. لم أصب ووصلت إلى مستشفى عكا حيث تجمّع الفارون من المجزرة. وبعد ربع ساعة تقريباً غطى رصاص القنص كلّ الزواريب".

يتابع: "في اليوم التالي خرجنا من المستشفى لشراء الطعام، فلم نعثر على دكان يفتح أبوابه. صادفت مع صديقي شخصاً لم يكن يعرفني فحذره من الذهاب إلى شاتيلا لأنّهم قتلوا عائلة أبو أحمد سرور. تلك عائلتي وهذا اسم والدي. ركضت أبحث عنهم فوجدت أخي أحمد يبكي، وأشار بيده إلى غرفة. دخلت فإذ بأمي على سرير وإلى جانبها أختي، سألتها عن أبي وأخوتي، لم تجب، وبعدما أنهت علاجها، أخبرتني أنّ والدي وأربعة من أشقائي قتلوا ومعهم شقيقتي وجارتنا ليلى المجذوب".