كذبة أوّل نيسان

كذبة أوّل نيسان

05 ابريل 2017
ونحن نلهث... (إدوارد هوبر)
+ الخط -

دعابة. مزاح. لنحاول التذكّر معاً. متى كانت المرّة الأخيرة التي أطلقنا فيها دعابة؟ متى كانت المرّة الأخيرة التي ارتكبنا فيها مزاحاً؟ لا، لم يُدرَج فعل "ارتكب" سهواً في سياق هذه الجملة. هو الفعل المناسب هنا، وقد اختير عن قصد. فالمزاح أضحى واحداً من محرّمات زماننا، ليبدو لنا كخطأ شنيع.

ربّما ينطوي هذا الكلام على مبالغة. ربّما يحمل إسقاطات تختلف طبيعتها. ربّما يعبّر عن سوداويّة ما. تتعدّد الاحتمالات ونسأل: هل مللنا من الدعابة والمزاح؟ هل نضجنا إلى حدّ لم يعد يجيز لنا الهزل؟ هل كثرت مشاغلنا إلى درجة أضحت فيها كلّ فكاهة تهدّد توازناً تبنّيناه أو مقاماً بلغناه؟

تغيير. نحن في تغيير مستمرّ. والتغيير، كثيراً ما يُصنَّف "إيجابيّاً"، إذ يُربَط بالتطوّر. مهلاً. هل يحتّم التغيير الذي ربّما نَخبُره رصانة متكلّفة؟ هل يتطلّب التغيير المحتمل تبدّلاً عميقاً يمسّ ذواتنا؟ هل يستدعي التغيير الذي نقول به تعفّفنا عن بعض من بشريّتنا.. عن بعض من حقيقتنا؟

قبل زمن ليس ببعيد، كان الأوّل من إبريل/ نيسان يحلّ وسط "طنّة ورنّة" أو "زيطة وزنبليطة". في الأوّل من هذا الشهر، كنّا وأهل المعمورة جميعاً نمارس طقوس "كذبة أوّل نيسان" أو "كذبة إبريل"، كلّ بحسب تقاليده. كان التهيّؤ لهذا اليوم، يستدعي جهداً من قبل بعضنا. كيف لا وهو يوم احتفاليّ، وإن لم يُدرج في روزنامة الأيّام العالميّة. هو ليس رصيناً، فكيف يُدرج في روزنامة تُعدّها جهة رصينة مثل الأمم المتحدّة بمنظّماتها المختلفة. الرصانة واجبة، وليس مهمّاً إن أتت متكلّفة أم غير متكلّفة. الثواني تداهمنا، والوقت غير مناسب للدعابة أو المزاح. الوقت يجري مسرعاً، ونحن نلهث حتى لا يفوتنا القطار. أيّ قطار ذاك الذي نشير إليه كلّما تعثّرنا في تفسيرنا لواقع ما؟!

الإشارة تجدر إلى أنّ أهل المعمورة، بأغلبهم، يحفظون تاريخ الأوّل من نيسان/ إبريل وطقوسه، وإن لم يُدرج في روزنامة الأيّام العالميّة. يحفظونه، في حين يُسقطون من حساباتهم أيّاماً أخرى كثيرة خُصّصت ربّما لقضايا تمسّهم. لكنّ تلك الطقوس تتلاشى عاماً بعد آخر. نذكر ذلك اليوم، لكنّ غدنا الذي يداهمنا، يحرّم علينا طقوسه. ربّما لم نعد أهلاً للبهجة. أمّا المؤكّد، فهو أنّ ثقافتنا الشعبيّة إلى اندثار. حتى هذا الكذب الأبيض، نحرّمه على أنفسنا.

قد يقول البعض إنّنا مللنا من كلّ الرياء الذي يحاوطنا، فلم نعد نستسيغ حتى ذلك الكذب الأبيض، ولو ليوم واحد. لكنّ ذلك الرياء موجود مذ وُجِد الإنسان، بحسب آخرين. ونسأل: لماذا التعفّف عن طقوس ليست سوى تقاليد من صميم تلك الثقافة الشعبيّة التي توارثناها؟ شيئاً فشيئاً نتخلّى عن ثقافتنا وذواتنا وبشريّتنا وحقيقتنا وأصالتنا.. وندّعي التغيير.


اقــرأ أيضاً

المساهمون