المطر قريب

المطر قريب

29 سبتمبر 2018
عودة إلى المدرسة (سيرغي بوبيليف/ Getty)
+ الخط -
قليلة هي المدارس التي لم تفتح أبوابها بعد. لنقل إنّ جميع التلاميذ باتوا في صفوفهم، وتجاوزوا بعض التفاصيل التي ترافق كلّ بداية، كالسعادة بالحذاء الرياضي الجديد والحقيبة المدرسية والمقلمة الجديدتان، وتعرّفوا إلى المدرّس/ المدرّسة للعام الجديد وزملائهم، وأمورٍ أخرى.

كلّ هذا إعلان عن الوجه الآخر للعام بعد انقضاء الإجازة. الصيف، وإن لم يستمتع كثيرون ببحره، وإن لم ينتقلوا للعيش أياماً تحت سماوات أخرى، هو فصل الإجازة، بعد تحرّر التلاميذ من مقاعدهم الخشبية وانتقالهم إلى الحياة العشوائية.

الخريف لم يظهر تماماً بعد، باستثناء تلك النسمات اللطيفة ليلاً، وتضاؤل عدد الأشخاص الذين ما زالوا يقصدون الشاطئ للسباحة واكتساب اللون البرونزي.

الخريف والشتاء يتحكّمان في يومياتنا... ساعة الاستيقاظ صباحاً، وكيفية قضاء فترة ما بعد الظهر، وغيرهما. لسنا أحراراً، وقد فُرضت علينا مسؤوليات كنّا في إجازة منها صيفاً. المدرسة والدراسة ليستا خياراً بل واجباً. ربّما نستيقظ باكراً في الصيف التزاماً منّا بالذهاب إلى أعمالنا في الوقت المحدّد، إلّا أنّنا لا نشعر بهذا الثقل الذي يصاحب العودة إلى المدرسة. كأنّنا ندخل في نظام جماعي.

يستيقظ الأهل ثم يوقظون أطفالهم ويحضّرون شطائرهم ويوصلونهم إلى المدرسة. وبعد الظهر، يتناول الأطفال الغداء ثمّ ينهون واجباتهم المنزلية أو يمارسون نشاطات خارج الدوام المدرسي، وبعدها يحين موعد النوم. هكذا، يدخلنا هذان الشهران في دوامة ممنهجة ومملّة، إلى حين اقتراب عيدَي الميلاد ورأس السنة الميلادية. على مدى أسبوعَين، ينشغل الناس في تفاصيل جميلة بعيداً عن تلك الحياة الآلية.



ذلك الواقع، سوف نعود إليه، بكآبة أشدّ حدّة، إلى أن يقترب الصيف مجدداً. نحن الذين كنّا نشكو العشوائية صيفاً، نشكو النظام شتاءً. في الحالتَين، الخيار ليس لنا. يبدأ العام الدراسي، فنصطف جميعاً في طابور صباحي يظهر على شكل ازدحام على الطرقات، ثمّ نخرج منه ما إن تغلق بوابات المدارس وتصبح الشواطئ جاهزة لاستقبال الناس.

يكسر المطر قليلاً من هذا النظام، وإن يخشاه الناس فيختبئون تحت مظلاتهم أو في بيوتهم. ولو حضر بخفّة، قليلون هم الذين يحتفون بمجيئه. وهؤلاء لا يستجدونه حباً بالرومانسية، بل بالسكينة. صوت قطرات المياه التي تهطل على الأرض تُسكت أصواتاً كثيرة، لم نكن ندري في أحيان كثيرة أنّها مزعجة.

ها نحن نقترب من صوت لا يلغي أصواتاً أخرى، بل يعطي معنىً ودفئاً للكون من خلال صوتٍ جميل... إلى حين العودة إلى الشواطئ.

المساهمون