زعماء لبنان

زعماء لبنان

17 فبراير 2015
الزعماء يحتلون الطرقات والشاشات (حسن عمار/ فرانس برس)
+ الخط -
يظهر الزعماء السياسيون في لبنان في المهرجانات، فيحتلون شاشات التلفزيون، ويقطعون الطرقات، وتنتشر القوى الأمنية لأجلهم عند كل مفترق ومدخل حيّ.

الوطن الصغير تنقسم شاشاته قسمة طائفية حزبية، لكنّها تتوحد، في كثير من الأحيان، لنقل خطاب الزعيم وليّ الأمر.

الزعماء مستهدفون أمنياً، هي جرعة حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب، منذ سنوات عديدة، حتى باتت عقيدة راسخة لديهم، لا حقيقة فقط. مستهدفون أمنياً في بلد يعيش ويموت على الخطط الأمنية، ولا يلاحق أو يعتقل إلا بحسب برنامج سياسي، يستغبي المواطن الراضخ أبداً لاستغبائه.

يحمل المواطن في باطنه احتجاجه، فإن كان من فريق قطّاع الطرق، استكبر الاحتجاج فهو يرفعه ضدّ زعيم الطائفة الأعلى- أستغفر الله العظيم. وإن كان ضده خاف عواقب احتجاجه، في بلد لا يحمي الزعماء فيه مناصريهم الأضعف، الذين يرتكبون هفوات "فردية"، خصوصاً في أزمنة الحوار الوطني.

يكرر الزعماء الظهور. ويتلقفون نداءات "بالروح بالدم نفديك يا فلان" بكثير من الغبطة، والقلب المتلهف لمحبوب، في عيد حب أو من دونه.

يكررون الظهور حتى الملل. ومع كلّ ظهور، وجوه هي نفسها من يمينهم وشمالهم. وجوه تلتصق بالمنابر والكراسي أبد الدهر، حليقة وبلحى مزينة مهندمة.

تنظر في الحشود فتحسد شركات الملابس كم تجني منهم لقاء إطلالتهم البهية، فحتى الأزياء الدينية بات لها متاجرها وزبائنها. وتحسد صالونات الحلاقة وشركات العطور كم أهرقت من زجاجات على الحضور، فالليلة ليلة تقبيل الزعيم.

التكرار لا يتوقف على مظاهرهم المعدلة كلّ حين، ومظاهر حاشيتهم. وينسحب على الخطاب، الذي هو نفسه منذ ثلاثين عاماً بالتمام والكمال. تنقص الوجوه حيناً باغتيال، وأحياناً أخرى بانتقال إلى ضفة أخرى، فستستبدل ببديل يزايد على أصيل، حتى لا تعود تعرف من منهما هنا، ومن هناك.

المنطق نفسه، التصلب وعدم التعايش، وفي الوقت عينه الكذب بشأنهما. فتكثر الادعاءات أنّ تعطيلاً ما سببه الفريق الآخر "أما فريقنا فيده ممدودة منذ اللحظة الأولى، لكن يبدو أنّ للفريق الآخر أجندات خارجية".

أما المواطن فمغبون دائم. يعلم ذلك في كثير من الأحيان، لكنّه يساير التيار السائد، موالاة كان أم معارضة. والشواهد التاريخية ماثلة أمامه في تبدّل طبيعة الإحتجاجات المطلبية بقدرة قادر، وتحولها إلى كنف زعيم يحارب بها زعيماً آخر، وصولاً إلى تبخيرها حزبياً.

يحضر المواطن مهرجانات الزعماء، وما زال يحلم، لكن لا بالمشاركة في بناء دولة، بل بمجرد "مكرمة" من زعيمه، لمنحة ما، ووظيفة ما، أو حتى لكشك سجائر عند ناصية شارع مقطوع ببركة الزعيم.

المساهمون