الخصخصة يا بيه؟

الخصخصة يا بيه؟

09 اغسطس 2017
الخاص على حساب العام (جوزيف براك/ فرانس برس)
+ الخط -
تعمل معظم الدول العربية، بما فيها تلك الدول التي وُصف اقتصادها يوماً بأنه موجه، على التخفف من مسؤولياتها في مجال التعليم العالي وإيكال هذه المهمة للقطاع الخاص، سواء أكان عبر الرأسمال المحلي أو الخارجي. الذريعة الجاهزة هي ارتفاع التكاليف وضرورة المساهمة من جانب المجتمع في تحمل مسؤولية الوضع، أو أن القطاع العام هو قطاع فاشل والحل يكمن في الخصخصة، باعتبار القطاع الخاص هو الأقدر على إدارة الشأن العام من القطاع الحكومي المترهل والبيروقراطي.

بالتأكيد مثل هذه السياسات قد تقود إلى نتائج بالغة السلبية على الفئات الاجتماعية، التي أفادت من تولي الدولة مهمة فتح الأبواب أمامها، والتي دون الدعم الحكومي ما كان لها أن تترقى اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. هذا الدعم يتعرض اليوم للتقتير، بينما يُغدَق المال على الأجهزة الأمنية والجيوش والتسلّح وصنوف الصفقات المعروفة وغير المعروفة.

النموذج المصري بالغ الدلالة في هذا المجال، والآن ترتفع الدعوات من الحكومات المصرية إلى التخلي عن عبء التعليم بدءاً بالجامعات. البعض يرى أن المشروع يرتبط بجملة الأوضاع السائدة حالياً خلال حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، فيما الأمور أشد عمقاً من لحظة التأزم الاقتصادي السائدة، خصوصاً متى تذكرنا أن الجامعات ذات النوعية الجيدة ستقتصر ارتياداً على أبناء الميسورين دون سواهم.

ومن باب المعلومات يتبين أن في مصر 27 جامعة رسمية، أبرزها من دون منازع جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس. أما الجامعات الخاصة فقد بات عددها مؤخراً حوالى 24 جامعة بعضها نشأ في مراحل مبكرة كالجامعة الأميركية التي تأسست في العام 1919. المهم أن الجامعات الخاصة في مصر، التي بدأت مع الجامعة الأميركية، بلغت محطة نشوء الجامعة الصينية في العام 2015. لكن السياسات الحكومية لجهة التخلي عن دعم القطاع العام من شأنها أن تفتح شهية أطراف داخلية – خارجية نحو المزيد من تأسيس مؤسسات التعليم العالي ما يجعل مصر، وسواها بالطبع، مجرد ساحة استثمار وعبارة عن برج بابل مفتوح على منوعات يصعب بعدها الحديث عن شخصية مصرية أو هوية وطنية، باعتبار أن مرجعية المؤسسة تحدد إلى هذا الحد أو ذاك الهوية الثقافية لطلابها، كما يحدث دوماً في مؤسسات التعليم قبل هذه المرحلة. والحصيلة أن أجيالاً ستنشأ على ولاءات خارجية مختلفة عن الولاءات الوطنية السابقة، التي نشأت عليها أجيال من المتعلمين سواء أكانوا من أبناء الطبقات الفقيرة أو المتوسطة.

ومما لا شك فيه أن عجز السلطات، سواء في مصر أو في سواها، عن متابعة سياسة دولة الرعاية من شأنه أن يخلف مضاعفات بالغة الخطورة، باعتبار أن الكثير من الجامعات تعمل على تسليع العلم وتأمينه للطالبين بناء على قدرتهم على دفع الكلفة، وليس اعتماداً على التأهيل والكفاءات التي حصلوا عليها، خصوصاً في ظل ضعف وتراخي وهزال الرقابة العامة على هذا القطاع، ما يجعل الكثير من الجامعات أشبه ما تكون بمصانع البضائع المزورة التي تتلاعب بالأسماء ونوعية المنتَج والمستهلك على حد سواء.

* أستاذ جامعي

المساهمون