مبان وشوارع تتجدد في الجزائر العاصمة

مبان وشوارع تتجدد في الجزائر العاصمة

10 ابريل 2018
مساكن متهالكة في قصبة الجزائر (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

يبدو أنّ العاصمة الجزائرية سوف تعود إلى سابق عهدها. هذا ما تُنبئ به المشاريع التي أطلقت أخيراً لترميم وصيانة مبان متهالكة في عدد كبير من الشوارع القديمة، لعلّ العاصمة تستعيد جماليتها العمرانية.

بعد سنوات طويلة من الإهمال والفوضى العمرانية اللذَين شوّها وجه العاصمة الجزائرية، تعمد الحكومة إلى ترميم المباني والواجهات الكبرى والأحياء القديمة، وذلك في خطوة تهدف إلى استرجاع العاصمة لونها الأبيض وحماية مبانيها من الانهيار.

قبل أيام، انهارت شرفة من أحد المباني القديمة في شارع ديدوش مراد النابض بالحياة، وسط الجزائر العاصمة. لم تخلّف الحادثة خسائر بشرية، غير أنّها لم تكن الأولى من نوعها. فقد شهد الشارع نفسه وشوارع أخرى في العاصمة سقوط شرفات عدّة من مبان قديمة تعود إلى العهد الاستعماري، وكذلك انهيار أجزاء من مبان أخرى. في ساحة "أوّل ماي" وسط العاصمة، انهارت ثلاثة مبان واستغلت السلطات المساحة التي فرغت إمّا لإنشاء حديقة أو موقف سيارات. وفي شارع العربي بن مهيدي القريب من مقر البرلمان، انهارت كذلك مبان أخرى، في حين أنّ عدداً إضافياً مهدداً بالانهيار في شارع طنجة الذي يشتهر بالمطاعم الشعبية. إلى ذلك، جرى تدعيم أساسات المباني القديمة بأعمدة خشبية لمنع انهيارها إلى حين ترميمها.

في حيّ باب عزون، عند أسفل حيّ القصبة القديم وسط العاصمة، اضطرت السلطات إلى نصب أعمدة خشبية وحديدية بين مبان أخليت من سكانها بهدف دعمها وتجنّب سقوطها على المارة. وقد يكون حيّ محمد بلوزداد الشعبي الذي كان يُعرف سابقاً بحيّ بلكور أي "الفناء الجميل"، أكثر الأحياء الشعبية التي تضمّ مباني منكوبة. عدد كبير منها تهدّم في حين أنّ السلطات عمدت إلى هدم أخرى تجنباً لانهيارها المفاجئ والذي قد يودي بحياة السكان. في إمكان كلّ زائر للحيّ أن يرى التشققات الواضحة في المباني وشرفاتها.




بالنسبة إلى مهدي براشد الذي تناول حيّ القصبة القديم كتابة، فإنّ "التآكل الذي استهدف أحياء عمرانية قديمة كثيرة في العاصمة الجزائرية، سواء تلك الموروثة عن الاستعمار الفرنسي أو عن الفترة التي سبقته، يعود إلى الفترة التي تلت الاستقلال". يضيف أنّ "حكام العاصمة والمدن الجزائرية في الفترة الأولى من الاستقلال وما تلاها، جاؤوا بمعظمهم من الريف وتسلموا مهامهم بحكم مشاركتهم في ثورة التحرير وليس بسبب الكفاءة. ونظراً إلى نقص الكوادر المتعلمة حينها، لم تكن لهؤلاء بالضرورة فكرة عن طرق تسيير شؤون العمران، وهو ما انعكس سلباً على المدينة ومبانيها وغير ذلك". ويتابع براشد أنّ "السلطات تراجعت شيئاً فشيئاً عن تسيير شؤون المباني، في حين غاب ما كان يعرف في الجزائر بالكونسييرج أو البوّاب حارس المبنى الذي كان يهتم بالصيانة والتنظيف ويبلغ السلطات في حال احتاج الأمر إلى تدخلها. هكذا دخلت المباني مرحلة أخرى من الفوضى، زادها النزوح من الريف".

وفي الفترة الأخيرة، راحت السلطات تولي الأهمية لمشاريع تجديد المباني وترميمها وإعادة تحسين المساحة العمرانية. ففي حيّ محمد بلوزداد، أطلقت الحكومة مشروعاً لترميم بعض العمارات المنكوبة، خصوصاً تلك المواجهة للبحر. وبحسب وزير السكن الجزائري عبد الوحيد طمار، فإنّ المشروع يهدف إلى منح وجه جديد لحيّ بلوزداد وكذلك حيّ الحامة. ومن شأن هذا المشروع أن يسمح بترميم النسيج العمراني في الحيَّين وبناء مبان جديدة وإنشاء مساحات خضراء ومساحات لإنعاش الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

في السياق، قرّرت سلطات العاصمة برئاسة المحافظ عبد القادر زوخ إطلاق مشروع صيانة وتزيين واجهات المباني، بالإضافة إلى طلاء المباني العتيقة باللونَين الأبيض والأزرق، خصوصاً تلك التي تخضع حالياً للصيانة والترميم. ويمتد هذا المشروع حتى عام 2029، بهدف ترميم المباني والشوارع الكبرى مع الحفاظ على تراث العاصمة العمراني. بالإضافة إلى الترميم وتوحيد اللون، بادرت السلطات إلى وضع أحواض أزهار على شرفات المباني وفي مداخلها، لإضفاء طابع جمالي على الشوارع مثل شارع زيغوت يوسف.




إلى ذلك، قرّرت السلطات نزع الصحون اللاقطة من عدد من المباني كخطوة أولى، واستبدالها بأنظمة استقبال جماعية للمحطات الفضائية، وذلك بهدف التخلّص من التشويه الذي طاول المباني السكنية في وسط العاصمة، على أن يُعمّم ذلك في وقت لاحق على كلّ مباني العاصمة.

تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات الجزائرية تأخرت كثيراً في الاهتمام بالمساحات العمرانية وبتنظيم الشوارع والمباني والشرفات في العاصمة والمدن الكبرى. كثيرون يشككون في إمكانية معالجة الفوضى العمرانية والتآكل الكبير الذي طاول المباني القديمة في الجزائر العاصمة وبالتالي ترميمها، غير أنّ المشاريع الأخيرة تنبئ بإعادة جزء ولو كان بسيطاً من الوجه الجميل الذي افتقدته العاصمة لعقود طويلة.

دلالات