عيد اليمن... عسب وجعالة في غياب الرقص

عيد اليمن... عسب وجعالة في غياب الرقص

صنعاء

العربي الجديد

العربي الجديد
15 يونيو 2018
+ الخط -


يحلّ عيد الفطر على اليمن ليعيد إلى أهله ذكريات الماضي، لا سيّما كبار السنّ الذين عرفوا عادات وتقاليد وطقوساً خاصة بالعيد اختفت مع الزمن. ويحنّ هؤلاء إلى أعيادهم القديمة، تلك المليئة بالفرح والأهازيج والرقص والهدايا وزيارات الأقارب.

يُجمع هؤلاء على أنّ "عيد اليوم لم يعد كعيد الأمس"، من بينهم الضابط المتقاعد راجح عبد السلام، الذي يؤكد أنّ أموراً كثيرة اختلفت. ويقول لـ"العربي الجديد": "أتذكر أنّنا كنّا نأتي بأمور كثيرة كلها فرح، خلال أيام العيد. لكنّ معظمها اختفى تماماً"، مشيراً إلى أنّ "الحرب والظروف الاقتصادية من أسباب اختفاء تلك الطقوس". وعبد السلام، الذي يسكن في صنعاء، لطالما حرص في ما مضى على قضاء أيام العيد مع أسرته في مسقط رأسه في محافظة المحويت، شأنه شأن كثيرين من سكان المدن الذين تعود أصولهم إلى مناطق ريفية. ونراهم يغادرون مناطق سكنهم ويتوجهون نحو الأرياف لقضاء إجازة العيد فيها. لكنّ عبد السلام يشير إلى أنّه "في الأعوام العشرة الأخيرة، لم أعد أحرص على قضاء العيد في قريتي الريفية، فأولادي وأحفادي صاروا من سكان صنعاء وأفضّل قضاء العيد معهم". يضيف أنّ كثيرين من اليمنيين الذين يعرفهم تخلوا عن تلك العادة، لافتاً إلى أنّ "الريف ما زال يحتفظ ببعض العادات والتقاليد التي تمارس في الأعياد".

بالنسبة إلى السبعيني غالب اليريمي، فإنّ العيد لا يختلف عن أيّ يوم آخر من الأسبوع، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "العيد اليوم هو مجرّد أسبوع إجازة يتناول فيه الناس بعض الحلويات. في السابق، كانت فرحة العيد ترتسم على وجوه الكبار والصغار، أمّا اليوم فبات العيد للأطفال الصغار فقط. الكبار باتوا مشغولين بهموم الحياة من دون أيّ حرص على ممارسة الطقوس التي تولّد السعادة والفرح كما في السابق". ويؤكد اليريمي أنّ "عادات كثيرة لم تعد تمارس اليوم واختفت. في ليلة العيد مثلاً، كان شبان كل قرية يحرصون على إشعال النار على أسطح المنازل أو الجبال كوسيلة للابتهاج ولإعلام الأهالي بأنّ اليوم التالي عيد. لكنّ هذه العادة اختفت تماماً".




ومن العادات التي كان يمارسها الأهالي خلال أيام العيد في السابق، يتحدّث اليريمي عن "الرحلات الترفيهية إلى خارج المدينة والرقص الشعبي واللقاء بالأصدقاء والأحبة. لكنّ تلك الأنشطة صارت مجرّد ذكريات جميلة". يضيف أنّه "في كل يوم من أيام العيد، كنّا نتوجّه إلى خارج مدينة يريم ونؤدي رقصة البرع، بعد رفع الجنابي، على قرع الطبول أو المرافع وضرب الطاسة". ويلفت اليريمي إلى أنّ رقصة البرع ما زالت تمارس حتى يومنا، إنّما في الأعراس وبعض المناسبات ونادراً في الأعياد.

من جهتها، تؤكد الحاجة مريم الخالدي، أنّه لا طعم للعيد اليوم، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "قبل العيد بأيام، كانت رائحة الكعك تنتشر في أنحاء الحيّ الذي أسكنه. فالنساء كنّ في السابق يصنعنَ الكعك في المنزل قبل حلول العيد". وتشير إلى أنّ "الأسر بمعظمها صارت تشتري الحلويات والكعك من الأسواق في هذه الأيام".

على الرغم من أنّ اليمنيين من كبار السنّ يرون أنّ العيد صار منقوصاً، فإنّ الفرحة ما زالت ترتسم على وجوه الأطفال الذين ينتظرون ما يحمله العيد لهم من هدايا، عسب العيد وجعالته. محمد غلاب، من هؤلاء، وهو يتعامل مع العيد كفرصة لجني ما يمكن من عَسب العيد (المال)، وجعالة العيد (الحلويات). يقول لـ"العربي الجديد": "أتنافس أنا وأصدقائي لنرى من يحصل على عسب العيد الأكثر، ومن يجمع القدر الأكبر من الجعالة". ويخبر بأنّه يخرج مع والده لأداء صلاة العيد وبعدها لزيارة الأهل، وفي اليوم الثاني يذهب مع العائلة إلى الحديقة للعب وقضاء وقت ممتع.

ترى المتخصصة الاجتماعية هيفاء ناصر غياب بعض العادات والتقاليد والطقوس الخاصة بالعيد "كنتيجة طبيعية للتطوّر الذي يحدث في البلاد أو بسبب ظروف الحرب وسوء الأوضاع الاقتصادية". وتقول ناصر لـ"العربي الجديد"، إنّ "اليمنيين اليوم باتوا مشغولين أكثر بمشاكلهم وهمومهم اليومية في ظل الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة، بالتالي فإنّ عدداً كبيراً من العادات والطقوس القديمة الخاصة بالعيد، لم تعد تمارس لوجود بدائل". تضيف أنّ "الناس في السابق كانوا يتوجّهون إلى خارج المدن والقرى لزيارة الأماكن الجبلية أو السياحية بهدف الترفيه، واليوم قد لا يحتاجون إلى ذلك لتوفّر حدائق ومتنزهات. بالتالي، كان هذا من أسباب اختفاء تلك العادات التي ما زال بعض سكان المناطق النائية يحتفظون بها".




وتتابع ناصر أنّ "أهالي مناطق كثيرة كانوا يمارسون طقوساً تُدخل البهجة إلى قلوبهم، لكنّ التطوّر التكنولوجي ساهم في تراجع مثل تلك العادات، إذ صار الناس يلجأون إلى التلفاز أو جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، والتي باتت توفّر لهم فرصاً أكثر للترفيه، مثل الأفلام والأغاني والرقص وغير ذلك". وتشير ناصر إلى أنّه "في حين كانت اللقاءات الأسريّة من أبرز نشاطات اليمنيين في أعياد الماضي، فقد تراجعت وتيرتها اليوم". وتوضح أنّه "قبل عقود، كانت وسائل الاتصال والتنقل محدودة جداً، لذا كانت تؤجّل. وتأتي الأعياد لتكون فرصة مناسبة لمثل هذه اللقاءات الأسرية. أمّا اليوم، فإنّ وسائل الاتصال والتنقل هي أكثر وأسهل، بالتالي فإنّ اللقاءات والزيارات تتواصل على مدار العام، ولذا لم تعد تقتصر على الأعياد".

ذات صلة

الصورة
سفرة العيد في بلدة جبالا السورية (العربي الجديد)

مجتمع

يُحافظ نازحون سوريون على تقليد متوارث يطلقون عليه "سُفرة العيد"، ويحرصون على إحيائه داخل مخيمات النزوح برغم كل الظروف الصعبة، وذلك فرحاً بالمناسبة الدينية.
الصورة
صلاة عيد الفطر في المسجد الكبير بمدينة إدلب (العربي الجديد)

مجتمع

أبدى مهجرون من أهالي مدينة حمص إلى إدلب، شمال غربي سورية، سعادتهم بعيد الفطر، وأطلقوا تمنيات بانتصار الثورة السورية وأيضاً أهل غزة على الاحتلال الإسرائيلي.
الصورة

سياسة

أدى أكثر من 60 ألف فلسطيني، اليوم الأربعاء، صلاة عيد الفطر في المسجد الأقصى في القدس المحتلة من دون أيّ أجواء احتفالية، حزناً على ضحايا الحرب الإسرائيلية
الصورة
لا عيد وسط التهجير (داود أبو الكاس/ الأناضول)

مجتمع

يُحرم أهالي قطاع غزة من عيش أجواء العيد والفرحة ولمّة العائلة والملابس الجديدة وضحكات الأطفال، ويعيشون وجع الموت والدمار وخسارة الأحباء والتهجير والتشرد