جلابية العيد و"بلاي ستيشن" في مصر

جلابية العيد و"بلاي ستيشن" في مصر

15 يونيو 2018
صغير في العيد (فايد الجزيري/ Getty)
+ الخط -


كلّما حلّ عيد، تعود الذكريات المرتبطة به إلى هؤلاء الكبار، فيستعيدون الفرحة التي كانوا يشعرون بها حينها. أمّا الصغار فيبحثون عن السعادة عبر جمع أكبر قدر من المكاسب المادية. ويبدو الفارق كبيراً بين الأجيال في مصر، الأمر الذي يعكس إيقاع الحياة المتسارع اليوم بالمقارنة بما كان عليه في الأمس. وفي حين كان الكبار أكثر حظاً بالفرحة والبهجة، يجد الصغار سعادتهم من خلال الماديات المكلفة بعيداً من الدفء الأسري.

قبل أيام من عيد الفطر، راح الفتى أحمد عادل يخطط لقضاء العيد كله مع أصحابه، من أجل إقامة بطولة في كرة القدم على "بلاي ستيشن". يقول أحمد: "لا أريد الذهاب مع أسرتي إلى بيت جدتي وأفضّل قضاء العيد مع أصحابي لنستمتع من دون قيود". يضيف: "إذا ذهبت إلى بيت جدتي في العيد، فما هو الجديد؟ سنجلس مع الأقارب ونحن نلتقي في مناسبات أخرى عديدة". أمّا ياسر فيقول: "اشترطت على أبي أن يشتري لي موبايل حديثاً بمناسبة العيد لأتسلّى به مع زملائي، حتى أرافقهم إلى بيت العائلة في العيد". ويرى أنّه "من غير المهمّ أن أكون مع الأصدقاء أو مع الأهل، ما دام اشتراك الإنترنت متوفّراً. بذلك، يمكنك فعل ما تشاء بواسطة جهازك. ويمكنك أن تتسلى مثلما تشاء بكل الألعاب، حتى لو كنت جالساً. العائلة كلها في غرفة واحدة".

من جهته، يخبر أمجد عثمان: "خططت أنا وأصحابي لأن نخرج للتنزه يوم العيد، واتفقت مع أبي على أن يعطيني مائتي جنيه مصري (نحو 11 دولاراً أميركياً) لأنّنا سوف نقصد الملاهي ونتناول الغداء في أحد المطاعم الشهيرة". ويشير إلى أنّ أمه طلبت منه الاحتفال بالعيد في المنزل، "لكنّني رفضت وأصررت على الاحتفال مع أصحابي وقضاء يوم العيد بكامله خارج المنزل". ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى تامر الذي يوضح: "رفضت وأخي الذهاب مع الأسرة للاحتفال بالعيد في مسقط رأسنا بمحافظة الغربية. فأخي الأكبر حجز رحلة إلى الإسكندرية ليوم واحد بهدف قضاء العيد، وسوف يصطحبني معه حتى لا نذهب مع الأسرة إلى قريتنا. العادات والتقاليد في القرية لم تعد تناسبنا، ونفضّل أن يكون العيد مع الأصحاب وليس الأقارب".

هذا هو عيد الفطر بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الناشئة اليوم. أمّا في الأمس، فعيد الفطر كان "مجموعة من المراسم التي تغطي قرى مصر ومدنها"، بحسب ما يقول عمّ مرزوق (76 عاماً) من سوهاج. ويشرح أنّ "الآباء والأمهات كانوا يشترون أقمشة لتفصيل جلابية العيد لأولادهم، ويشترون لهم كذلك ألبسة داخلية جديدة. مشيراً إلى أنّ "الكسوة في الريف كانت تحضّر مرّتَين في العام الواحد، مرّة في عيد الفطر ومرّة في عيد الأضحى".




يضيف عمّ مرزوق: "كنّا نفرح بالملابس الجديدة ونسهر طول الليل مع الأصحاب في القرية حتى يقترب أوان صلاة العيد. حينها، كنّا نذهب إلى البيت ونرتدي الثوب الجديد ونذهب للمشاركة في صلاة العيد". ويؤكد عمّ مرزوق أنّ "العيد في الريف المصري كان عبارة عن مراسم معينة تقود كلها إلى البهجة والفرحة والتآلف بين الأسر. وكانت الفرحة الحقيقية بالنسبة إلى الجميع فرحة معنوية ترتكز على التواصل والتزاور بين الأهل والأصدقاء، بالإضافة إلى تبادل التهاني بين أبناء الحيّ أو القرية". ويتابع عمّ مرزوق: "كنّا نخرج من صلاة العيد ونصطف أمام المسجد ويخرج المصلون ليهنّئ بعضهم بعضاً، قبل أن تتنقّل مجموعة منهم في القرية لتهنئة أبناء الأحياء الأخرى. بعد ذلك، كنّا نعود إلى البيت لتبدأ مرحلة جديدة من تبادل تهاني العيد بين الأقارب والجيران والأصدقاء. وفي المساء، تجتمع الأسرة في البيت الكبير، ويحضر جميع أفرادها مع أولادهم".

من جهته، يقول الأستاذ مختار إبراهيم وهو موجّه تعليم متقاعد: "كنت أعيش وأسرتي بمدينة الإسكندرية وكنّا ننتظر العيد للعودة إلى القرية مسقط رأسنا لنحتفل به. وعلى الرغم من أنّ العيد في المدينة كان له صخب خاص، فإنّ أولادي الصغار حينها كانوا يفضلون قضاء إجازة العيد في قريتنا. ففي المدينة كنّا نفتقر إلى التواصل الاجتماعي، لكنّنا حين نذهب إلى القرية كنّا نلقى حفاوة كبيرة من الأهل والأصدقاء والمعارف. وكان الجميع يتسابق في العيد لإقامة العزائم".

يضيف إبراهيم أنّ "القليل في أيام زمان كان يكفي لخلق فرحة في العيد. وحين كنّا صغاراً، كان مصروف الواحد منّا لا يتعدى خمسة قروش، وكانت تكفينا لشراء بعض الحلوى والتنزّه. أمّا اليوم، فالأطفال يطلبون مئات الجنيهات ويشترطون شراء موبايلات وملابس باهظة الثمن أو الحصول على عيدية كبيرة للذهاب إلى المتنزهات أو الإصرار على تناول الوجبات خارج المنزل مع أصحابهم. الطفل لم يعد يهتم بمن حضر من الأقارب ليزور العائلة. الوضع اليوم مختلف عن الأمس".

أمّا غنام مصطفى وهو موظف متقاعد يسكن في حيّ السكاكيني بالقاهرة، فيخبر: "عندما كنّا صغاراً كنّا نفهم العيد على أنّه راحة لأنّه مع الأهل والأصدقاء. والعيدية، خصوصاً عندما تأتي من الأعمام والأخوال، كانت فرحة لا تضاهيها فرحة على الرغم من أنّها كانت مبالغ زهيدة". ويؤكد أنّ "طموح الطفل حينها كان يختلف عن مطالب الأطفال اليوم. فالعيد كان يعني لنا تبادل الزيارات والتلاقي بين الأهل والأصدقاء، واليوم يختلف الأمر. فالأطفال لا يملّون من الملاهي ومن ألعاب الموبايل وكذلك ألعاب بلاي ستيشن. وهم يتركون ما لذّ وطاب من أطعمة جرى إعدادها في المنزل، ليشتروا وجبات جاهزة أو تناول الأكل في المطاعم. أمّا نحن، فكنّا قديماً ننتظر العيد لأنّه يجمع الأسر على مائدة طعام واحدة".




ويتحدّث جاد حسن (65 عاماً) عن أبرز مظاهر العيد قديماً، "حين كنا نحرص وجميع أصدقائنا على السهر ليلة العيد، وكان يلتحق بنا المسافرون وآخرون لم نرهم طيلة العام المنصرم، فنقضي الليل حتى موعد أذان الفجر في سهر وسمر. أمّا اليوم، فالآباء يعيشون حالة من القلق على أبنائهم إذا غابوا عن البيوت خوفاً من الإدمان أو الاختلاط بأصدقاء السوء. في أيامنا، كان الاختلاط يزيدنا وعياً وإدراكاً لحقوقنا وواجباتنا الاجتماعية، وكنّا كأصدقاء أو أقارب نفرح بعضنا ببعض. في أيامنا هذه، الطفل يعيش بين أهله وهو شارد الذهن نتيجة الكمّ الهائل من الإغراءات التي يتعرّض لها".

دلالات