ديون وارتهان

ديون وارتهان

11 يناير 2018
كم غبطة أسقطناها من حساباتنا... (Getty)
+ الخط -

... وتكثر الديون. لا يظنّنّ أحد أنّ ثمّة تبرّماً هنا بالديون التي تتكدّس، لا سيّما في الأيّام الأولى من العام الجديد. من غير المستحسَن استهلاله بالشكوى، ففي ذلك نذير شؤم. ونُرجئ بالتالي كلّ تلميح إلى القروض والسلف والاستدانات التي تُثقلنا والتي راكمناها وما زلنا نفعل.

وتكثر الديون، تلك التي تُصنَّف "لاواعية". تكثر فتُثقل وجودنا. وندين لعائلاتنا - الآباء والأبناء تحديداً - ولأصدقاء وزملاء وغيرهم من أشخاص نتورّط في يومياتهم ويتورّطون في يوميّاتنا وآخرين يتطفّلون عليها. لآبائنا ندين بـ"الوجود". ربّما كان هذا أثقل الديون. هو كذلك، لا مجال للشكّ. لكن، من جزم بأنّنا ممتنّون لهذا الوجود في الأساس، فنكون بالتالي مدينين لمن منحنا إيّاه؟ سؤال لا يجوز طرحه. لا خيار لنا. ملزَمون نحن بالامتنان مثلما نحن ملزَمون بذلك الوجود. وجودنا أمر واقع، ومن غير اللائق أن نكون جاحدين. جحود الأبناء إثم. هذه "قاعدة ذهبيّة" من "حقائق مقرّرة" أخرى كثيرة تجعل تلك الديون اللاواعية أكثر ثقلاً. أمّا لأبنائنا، فندين بتثبيت ذلك "الوجود". هؤلاء هم إقرار لا لبس فيه بأنّنا موجودون، حتى لو لم نكن ممتنّين لهذا الوجود في الأساس. ربّما كان هذا ثاني أثقل الديون.

نمضي في أيامنا ونحن نجرجر تلك الديون، مع شعور بالذنب. قد يكون هذا الشعور خانقاً، وقد لا يكون كذلك. لكنّه شعور بالذنب. مذنبون نحن. نحاول جاهدين تسديد ديوننا تلك، غير أنّنا في قرارة أنفسنا أو في لاوعينا نشعر بتقصير ما. لا شكّ في أنّنا لم نكن على قدر "المسؤوليّة"، لا شكّ في أنّنا تهاونّا في سدّ تلك الديون. ونشعر من دون أن ندرك، بارتهان ما. ليس في الأمر مبالغة. دعونا نتمهّل قليلاً قبل الإتيان بردّ فعل مستهجن، ونطرح بعض الأسئلة على أنفسنا. دعونا نطرح تلك الأسئلة بتكتّم. إجاباتنا لن نكشفها لأيّ كان. هي سرّنا. بالتالي، لا داعي للارتباك. لكنّ الارتباك قد يكون أكبر في مثل هذه الحالة، ومن شأن ذلك الدلالة على ثغرة ما أو ثغرات لسنا في وارد تناول أيّ منها هنا.

ونعود إلى الأسئلة ذات الصلة. كم مرّة كرّرنا في سرّنا أو أمام آخرين: "لا أستطيع التخلّي عنهم"؟ كم مرّة فوّتنا فرصة سفر أو عرض عمل أو شراكة حتى نرضيهم؟ كم مرّة بدّلنا خططاً - قد تكون مجرّد مشاريع آنيّة - من أجلهم؟ كم مرّة وضعنا أنفسنا في مواقف حرجة كرمى لهم؟ كم غبطة أُرجئت أو أسقطناها من حساباتنا حتى نكون إلى جانبهم؟ وتكثر الأسئلة... لا يظنّنّ أحد أنّ في الأمر محاولة لدفع أنفسنا إلى التخلّي عنهم أو عنه أو عنها أو عنهما أو عنهنّ.. عن كلّ هؤلاء الذين نشعر بأنّنا مدينون لهم. هي مجرّد محاولة لدفع أنفسنا إلى عدم التخلّي عنّا، إلى عدم إهمالنا. هي مجرّد محاولة للإشارة إلى ما ندين به لأنفسنا. نعم، نحن مدينون لنا.

دلالات

المساهمون