مقبرة المتوسط مرة أخرى

مقبرة المتوسط مرة أخرى

05 يونيو 2016
المأساة تتواصل مع معالجة النتائج بدل الأسباب (فرانس برس/GETTY)
+ الخط -


منذ عام 2011 تتواصل تحذيرات المنظمات الدولية والأمم المتحدة، بأن المأساة البشرية التي يشهدها البحر المتوسط لن تتوقف طالما بقيت الأسباب قائمة.

وكان عام 2015، الذي سجل خلاله الباحثون عن حياة أخرى بعيداً عن أوطانهم، هرباً من أحوالها المزرية ومن الحروب أعداداً قصوى، وهكذا كان ولا يزال حال السوريين الهاربين من أوضاع لا يقبلها عقل ولا ضمير، جعلت شعباً بكامله منكوباً بكل معنى الكلمة.

أكثر من مليون إنسان خاطروا العام الماضي بعبور البحر المتوسط وبحر إيجة، نحو البر الأوروبي، وابتلع البحر الآلاف منهم. كما تدفق مئات الآلاف عبر البلقان وسط محاولة أوروبا التخلص من "أزمة اللاجئين" بإقامة المزيد من الجدران والأسيجة والاتفاقات ومنها الاتفاق مع تركيا، ذلك الأخير الذي تعرض لانتقادات واسعة، من منظمات حقوقية دولية وأوروبية رأت فيها "إغلاقا تاما بوجه الباحثين عن فرص للنجاة".

وصدقت التوقعات بأن تتحول الأشهر الأولى لهذا العام إلى مأساة، كما ذكرت منظمة الهجرة الدولية وخبراء اللجوء، فأكثر من 206 آلاف إنسان عبروا المتوسط، وأكثر من 2600 إنسان ابتلعهم البحر، حتى اللحظة.

ما أقدمت عليه أوروبا من خطوات عبر وكالة "فورينتكس" لحماية الحدود، وإرسال ترسانة عسكرية بحرية إلى المتوسط، ومحاولة عقد اتفاق مع ليبيا يشبه الاتفاق مع تركيا، كلها خطوات لم تنفع سوى في زيادة مأساة المهاجرين، التي تتوقع تقارير منظمات الهجرة الدولية والصليب الأحمر أن تتفاقم، طالما اقتصرت المعالجات الأوروبية والغربية "للأعراض الجانبية".

في الأيام الأخيرة، أشارت تقارير إلى غرق ما يزيد عن ألف مهاجر في مراكب يشغلها مهربون محترفون، وتدر عليهم أرباحا بالمليارات، في حين تتواصل الفرجة على مآسي الشعوب الواقعة تحت الحروب من دول كبرى ومنظمات أممية، والتي تشي بأن شيئاً ما غير أخلاقي يحصل، خاصة مع عدم رفع الحصار عن القرى وإدخال المساعدات للناس، واستمرار فرار الآخرين، هرباً من البراميل والقصف والحصار.

المليارات تصرف في أوروبا، وتموّل قطاعاً خاصاً يسيّر معسكرات اللجوء، ومنها صقلية على سبيل المثال، بدل من أن تكون تلك المليارات في خدمة تحسين أوضاع وظروف الفارين في بلدانهم.

في طريق البلقان الذي أُغلق بوجه المهاجرين، قال خبراء عديدون إن ذلك لن يمنع التدفق، وهو ما يحصل وتشير إليه الأرقام التي تتوقع زيادة قد تصل إلى المليون كما في العام الماضي.

صحيح بأن ممر البلقان أغلق فعلياً، لكنه عاد ليفتح مقبرة المتوسط مرة أخرى. تلك المأساة التي أضرت بسمعة أوروبا والعالم المتحضر في السنوات الأخيرة، وهي تتفرج على مأساة السوريين التي صارت جسر عبور لشعوب أخرى من مآسيها. من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، واقع لا يبدو أنه سيتبدل كثيراً ما لم يحصل تغيير جذري لنزع الأسباب وليس معالجة الأعراض فحسب.




المساهمون