هشاشة

هشاشة

09 يونيو 2018
هي الهشاشة ذاتها (كارولين ثومبس)
+ الخط -

هل يُعقل؟ مَن هو بمثل ثقافته مع شبكة علاقات واسعة، لا يُعقل أن ينتهي به الأمر بتلك الطريقة. كيف سمح لنفسه بذلك التدهور؟ أمر لا يُغتفر! مَن هو بمثل أخلاقه ونشاطه ونجاحه المهنيّ وروحه المرحة، لا يُعقل أن يبلغ ذلك "الدرك". كيف سمح لنفسه بذلك التقهقر؟ أمثاله لا يفعلون. هكذا نظنّ.

أمثاله يفعلون وقد غلبهم واقعهم... وقد هزمتهم الحياة. أمثاله يستسلمون وإن أصرّوا على الظهور متماسكين أصلاباً. أمثاله قد تنهشهم هشاشة باغتتهم أو اكتشفوها متأخّرين من دون أن يدركوا حقيقتها. على الأغلب، هم لا يرغبون في إدراك تلك الحقيقة، ويتورّطون في النكران.

نستغرب هشاشتهم. ربّما كنّا نتخطّاهم هشاشة، في حين نغرق في النكران مثلهم تماماً. هي الهشاشة ذاتها. هشاشة تستجدّ إمّا لكثرة محاولاتنا الظهور أصلاباً في عالم لا يحرم المتزعزعين، وإمّا من جرّاء صدمة تؤدّي إلى اهتزاز توازن لنا. قد تكون هشاشة متأصّلة فينا، في لاوعينا تحديداً، ولا تظهر أعراضها أو مترتّباتها إلا متأخّراً. ويكون التدهور، فنقع. الوقوع ليس أمراً نسلّم به بسهولة. نجالد أنفسنا، فنراها في تقهقر أكبر. ونغرق في اكتئاب أو قلق أو حالات أخرى تختلف طبيعتها... ونتورّط أكثر في النكران وتتفاقم حدّة التهديد الذي يطاولنا. إدمان مخدّرات، إدمان كحول، إدمان طعام، محاولات انتحار... مهلاً، أوليس الإدمان انتحاراً متباطئاً؟ هو شكل من أشكال الانتحار، أمر لا شكّ فيه.

لمّا يتسرّب الأمل من بين أصابعنا، يكون الانتحار في المرصاد... عجولاً أو متباطئاً. الإقرار بالهشاشة، هشاشتنا، ربّما يجنّبنا الأسوأ. لا بدّ من أنّ ذلك الإقرار يجنّبنا مصيراً قاتماً. هل نقرّ بتلك الهشاشة؟ لا بدّ من مساندة حتى نفلح. وحدنا، لن نُوفَّق. لو أنّ الأمر في مقدرتنا، لما كنّا بلغنا تلك المرحلة في الأساس.




لا العلاقات التي بنيناها، ولا الموسيقى التي تأنّينا في اختيارها، ولا الكتب التي جمعناها، ولا الشهادات التي نلناها، ولا النجاحات المهنيّة التي راكمناها، ولا المرح الذي تميّزنا به، ولا الأخلاق التي استوجبت مديحاً لنا تحصّننا في مواجهة هشاشة تودي بنا ربّما إلى مصير قاتم. الأمر أكثر تعقيداً، والمساندة واجبة. لا بدّ من الإقرار بذلك، فلا يسأل مَن حولنا "كيف سمحوا لأنفسهم بذلك التقهقر؟"، قبل أن يضيفوا "أمثالهم لا يفعلون".

نصرّ على أنّنا لسنا من أمثال هؤلاء الآخرين، في حين نمضي ونحن نجالد أنفسنا. نرفض التعايش مع هشاشة أصابتنا، فنسمح لها بنهشنا أكثر فأكثر. ونرفض الاعتراف بها، إذ ذلك يُعدّ إقراراً بعجز ما. من غير المباح لنا أن نكون عاجزين. ونتورّط في النكران أكثر فأكثر.

المساهمون