طلاب لبنانيون أكبر من أساتذتهم

طلاب لبنانيون أكبر من أساتذتهم

13 ابريل 2016
ظاهرة أخرى هي الطالبات الأمهات (Getty)
+ الخط -

في الطابق الأول لمبنى كلية السياحة في الجامعة اللبنانية، تجلس ثلاث طالبات لم يتجاوزن العشرين. يحملن كتبهن الدراسية ويحاولن استذكار بعض المعلومات وتداولها قبيل الامتحانات القريبة. يؤكدن أنّ العلاقة في ما بينهن أساسها الصداقة والزمالة. فماذا لو كان بينهن طالبة تتجاوز الثلاثين؟ "معنا بالفعل واحدة في الخامسة والثلاثين، نتعامل معها كأيّ زميلة أخرى. وهي كذلك تبادلنا المعاملة نفسها"، تقول إحداهن.

لكنّ تلك الطالبة ليست الأكبر سنّاً هناك.. مكتب عميدة كلية السياحة الدكتورة أمل أبو فيّاض على الطابق الثاني مزدحم. من خلف الباب المغلق، تخرج أصوات اجتماع الأساتذة المخصص لمناقشة الامتحانات. في غرفة الانتظار لذة في طعم القهوة المرّة، ومتابعة السكرتيرة النشيطة، وهي تذهب وتجيء وتملأ المكان حيوية.

تقول أبو فيّاض لـ"العربي الجديد" إنّ كلّية السياحة لا تضع أيّ شرط متعلق بالعمر في طلبات الانتساب، بل هي للجميع ولا تميّز خلال الدراسة بين طالب وطالب على أساس العمر "الجامعة اللبنانية لكلّ الشعب اللبناني، ولا عمر للعلم". تشير إلى أنّها هي بالذات كانت تدرّس طالبة أكبر بكثير من زملاء وزميلات صفها، و"كانت تستوعب الدروس بالكامل ويتعامل معها زملاؤها بشكل عادي جداً".

تستعين العميدة برئيس قسم إدارة الفنادق جمال عواضة الذي يخبر "العربي الجديد" أنّ الكلية ضمت سابقاً طالبة كانت تبلغ من العمر 65 عاماً درست الإرشاد السياحي. كما انّها تضم هذا العام بالذات ثلاثة طلاب في عمر متقدم نسبياً. يقول إنّ من أهداف الجامعة "تأهيل القوى العاملة". ويشير إلى أنّ الطالب المتقدم في السنّ يكون أحياناً "أكثر فعالية من غيره واندماجاً في الدراسة".

مثل هذه النقطة تثيرها الطالبة حلا م. (42 عاماً) التي تدرس التصميم الغرافيكي في جامعة خاصة في العاصمة اللبنانية بيروت. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تعرف كيف تستغل الوقت تماماً. كما أنّها تعرف هدفها أيضاً وهو التخرج في أسرع وقت ممكن من أجل الاستفادة من اختصاصها.

حلا لديها أربعة أولاد، أكبرهم يتواجد اليوم في دورة تأهيل رتباء في قوى الأمن الداخلي، كما أنّه في العام الجامعي الثالث. أما هي فقد تركت دراستها الجامعية قبل أكثر من 22 عاماً من أجل الزواج. ولم تعد إليها إلاّ في أوائل العام الجاري، خصوصاً أنّ زوجها لم يعارض ذلك "لم يكن يعارض من قبل أيضاً، لكنّ الظروف لم تكن مهيأة". هي في الأساس تريد أن تتعلم مجدداً وتلبي تلك الحاجة لديها. لم تتوقف عن القراءة يوماً، وعلى الرغم من أنّ اختصاصها الأول الذي لم تستكمله كان أدبياً، فقد اختارت هذه المرة اتجاهاً فنياً ومعلوماتياً "أردت اختصاصاً عصرياً فعالاً أستثمر في تحصيله دراسياً الآن كي أتمكن من العمل في مجاله لاحقاً".




بعض زملائها معجبون بعزيمتها وقدرتها. آخرون لا يبالون بها. لكنّ غيرهم ينزعجون منها، كحال محمد (21 عاماً) الذي يقول إنّها "تحبّ الظهور كثيراً". وبما أنّ محمد لا يحبّذ الدخول في مواجهة مع زميلته التي تماثل والدته عمراً، فإنّه، مع آخرين، يضايق ابن أخيها الطالب معه بدوره، لأنّه يدرس مع عمته في السنة الدراسية نفسها.

حصل أستاذ الكيمياء الدكتور ن. ب. على لقبه العام الماضي. على الرغم من أنّه في الخمسين فإنّه لم يُضِع أيّ سنة دراسية منذ دخل إلى اختصاصه قبل عشر سنوات. أمضى في سنوات الإجازة ثلاث سنوات، وفي الدراسات العليا ثلاثاً، وحصل على الدكتوراه في ثلاث، وبدأ للتوّ عمله كأستاذ في جامعة خاصة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه صدّق أخيراً مقولة "أن تصل متأخراً خير من ألاّ تصل أبداً".

من جهتها، تقول سامية أحمد (37 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّها اختارت اختصاص العلوم الاجتماعية لأنّه يسمح لها بالتفكير في كلّ شيء من حولها بشكل مختلف. تشير إلى أنّها تودّ لو تتمكن من تحضير نفسها بشكل جيد لامتحانات نهاية العام من أجل النجاح والوصول إلى السنة الثانية وتدارك نتيجتها السيئة في امتحانات الفصل الأول. لكنّ عملها في وظيفة عامة، في المقابل، لا يمنحها الكثير من الوقت. مع ذلك، تشير إلى أنّها ستعيد عامها الدراسي إن رسبت، لأنّ هدفها في الأساس هو فتح المزيد من الآفاق المعرفية أمامها.

أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتورة رولا أبو شقرا تشير إلى أنّ نسبة الطلاب المتقدمين في السنّ تتراجع في معهد العلوم الاجتماعية عمّا كانت عليه من قبل. تقول لـ"العربي الجديد": "المعهد كان يضمّ تاريخياً طلاباً يأتون إليه من اختصاصات أخرى، وطلاباً من الأحزاب السياسية يستفيدون من جرعاته الثقافية حزبياً ومهنياً". وعلى الرغم من قلّة عدد هؤلاء الطلاب، فإنّها تشير إلى ظاهرة أخرى هي "الطالبات الأمهات في المعهد، خصوصاً مع غلبة الإناث على هذا الاختصاص".

تقول أبو شقرا إنّ طبيعة الطالب الأكبر سنّاً تكسر الحواجز مع الأستاذ وتصنع نوعاً من الصداقة. لكنّها تشير في المقابل، إلى أنّ هذا الأمر لا يجعل من الطالب الأكبر أفضل دراسياً في فهم الشرح واستيعاب المفاهيم "ليس بالضرورة أن يحدد العمر القدرة على الاستيعاب. ويظهر لدينا خلال المداخلات أنّ الطالب الأصغر قد يفهم الفكرة بصفاء وبشكل مباشر أكثر من الطالب الأكبر سنّاً الذي يحمل تجربة ثقافية".


المساهمون