الحقيقة وحدها تكفيني

الحقيقة وحدها تكفيني

17 يوليو 2017
تبهرني فكرة الكذب (غريغ وود/ فرانس برس)
+ الخط -
في آخر مرة رأيته فيها كان ذلك صدفة. ندهت باسمه ثم ابتسمت. ابتسم واقترب مني. كان حديثاً عادياً وكنت مرتبكة. سألني عن حالي، فقلت إن رأسي يؤلمني جداً، ثم قلت إني أعاني من دوخة وإني أحياناً أقع من شدّتها. بالغت بعض الشيء. قلت ما قلته من غير وعي مني. كان رأسي يؤلمني فعلاً وكنت أعاني من الدوخة، ولكن من النوع العادي الذي يصيب جميع الناس. وبالرغم من أني افتعلت ذلك بهدف نيل التعاطف إلا أنه أجابني، إن الدوخة أمر يحدث في أيام الحرّ الشديد وإنه ما من داعٍ للقلق. لم تنفع إذاً استثارة الشفقة. خجلت من نفسي. ثم فكرت بصديقة لي كانت تدّعي الوجع دائماً في كل مرة يكون فيها حبيبها موجوداً. كانت تقول أمامه أيضاً، إنها تخاف من مرض السرطان. فكرت أن الدوخة تبقى أفضل من السرطان. الشفقة عن طريق السرطان أمر مرعب حقاً.

أدركت بعد حين، وإن متأخرة، أن ذلك لا ينفع. أقصد أمور الشفقة والكذب. ثم أدركت أيضاً أن الصحة الجيدة أمر مهم ولا ضرورة لادعاء عكسه. صرت في كل مرة أُسأَل فيها عن حالي أجيب، إني "كتير منيحة". وأنا كتير منيحة فعلاً، ولم أكن يوماً إلا كذلك.

لم يكن قد مضى وقت طويل على تعارفنا. قال لي إنه رآني في الحلم. أخبرني قصة محبوكة بشكل جيد. أنا أحلم أحياناً. لا يعقل لحلم أن يكون محبوكاً بهذه الطريقة. غالباً ما تكون الأحلام مشاهد غير مفهومة ومخجلة أيضاً. كان يكذب وكنت واثقة من ذلك. قلت له، إني لم أصدقه. خجل كثيرًا ولم يعلّق. ثم صار في كل مرة يريد إخباري أمراً فيه شيء من المبالغة يقول، إنه لن يخبرني لأني لن أصدقه. كان ذلك يضحكني. كنت أخبره، إني أصدق كلّ كلمة يقولها وفي الحقيقة لم أفعل يوماً.

في آخر مرة تحادثنا حكى لي عن الأحلام. قال لي، إنه يراني دائماً في الحلم وإني أخبرته في أحدها أني ارتبطت بشخص ثانٍ. لم أجبه بشيء حينها ثم قلت له، إني أصدقه رغم أنه لم يطلب مني ذلك.

سمعت ورد، بطلة المسلسل تقول إن السرّ هو في أن نعامل من نحب كما لو أننا لا نحبهم. يعني أن نقول الحقيقة. لا نرد على رسائلهم. نتجاهل اتصالاتهم أحياناً. لكن ذلك غير ممكن. أن نقع في حب أحدهم يعني أن نرد على الرسائل وأن نبالغ وأن نكذب.

تبهرني فكرة الكذب. أحدهم قضى وقتاً طويلاً في اختلاق قصة غير موجودة. رددها في رأسه ساعات وضحك عليها أو ابتسم كثيرًا أو اشتكى ولعب دور الضحية بينه وبين نفسه كتمرين قبل العرض النهائي. أحدهم فعل ذلك من أجلي أنا. كل ذلك كي يبهرني أنا. لكن أنا، الحقيقة تكفيني. وأنا تبكيني أغنية رديئة وتضحكني نكتة رديئة.

المساهمون