"هيداك المرض"

"هيداك المرض"

03 فبراير 2016
ذلك الخبيث راح ينهشه شيئاً فشيئاً (Getty)
+ الخط -

يتهامسان في غرفة المعيشة. أما هي فتسترق السمع من خلف الباب الذي يفصل تلك الغرفة عن دار المنزل. فضولها يدفعها إلى معرفة سبب تجهّم وجهَيهما. تلتقط بعض أطراف كلامهما. وعند جمعها مع بعضها بعضاً، تصل إلى خلاصة: عمّتها مصابة بالسرطان.

لطالما كان السرطان "هيداك المرض" الذي لن يطاولها، الذي لن يطاول عائلتها ولا أياً من الأقربين. ولماذا يفعل! تعجّب يترجم شكلاً آخر من أشكال الإنكار. ولا تجرؤ على سؤال أيّ منهما. كانت بعد مراهقة، وكان ذلك من الموضوعات المحرّمة، ليس في منزل العائلة، بل في المجتمع ككلّ. وبقي السرطان "هيداك المرض".

سنوات طويلة، بقيت تسترق السمع، محاولة التقاط بعض ما يدور من حديث بينهما أو بين عمّتها وأحدهما. سنوات طويلة، بقيت تكتم معرفتها، وتراقب همّهم، وتقلق في سرّها. وفي يوم، ومن دون مقدّمات، أثير الموضوع. تحدّثوا عن النجاة، وعن المرض. كأنما الحُرمة سقطت. شاركت في الحديث، من دون أن يسألها أحد عن درايتها تلك.

في ذلك اليوم، أشبعت فضولها. حتى أنّ عمّتها أخبرت الموجودين كيف أنها خضعت في بضع مرّات لجلسات علاج كيميائي، وراحت تقود بنفسها سيّارتها للعودة إلى سكنها. في ذلك الزمن، كانت الحرب قائمة في البلاد والمعابر منصوبة. ولأنها لم تشأ تعريض أحد إلى الخطر، أصرّت على القيام بذلك بمفردها، على الرغم من ألم وتوعّك شديدَين كانا يتمكّنان منها. وتضحك وهي تسرد تفاصيل رحلاتها تلك، بين السواتر الترابيّة والمسلّحين.

***

قبل أيام، كانت الذكرى التاسعة لرحيل صديق طفولتها. هو كان قد أصيب بـ "هيداك المرض". صحيح أنّ الحُرمة كانت قد سقطت مع بداية الألفيّة الثالثة، إلا أنّ التفوّه باسمه كان لا يزال مُربِكاً.

في بلاد الغربة، التي هاجر إليها قبل زمن، وقد فتكت الحرب بالوطن، عانى من ذلك الخبيث الذي راح ينهشه شيئاً فشيئاً. بعدما ظنّ أنه تعافى، بعدما أكّدت نتائج الفحوصات شفاءه، عاد لينتكس. وكانت الانتكاسة التي أزهقت روحه. كانت الانتكاسة التي خطفت ابتسامة ذلك الشاب المليء بالحياة، على الرغم من المرض المتغلغل في خلاياه. هو بقي باسماً حتى اللحظة الأخيرة، تماماً كما عرفته مذ كانا طفلَين صغيرَين.

في ذلك الزمن، كانت تتابع تفاقم حالته. وكانت تكتم ما جمعته من معلومات حول ذلك النوع الذي داهمه. كان جسده لا يزال فتياً مقاوماً، فتمكّن منه الخبيث. معادلة لا يقبلها منطق. وظلّت تكتم ما جمعته من معلومات، وقد عرفت أنّ النهاية وشيكة جداً. كأنما الكتمان أيضاً، شكل من أشكال الإنكار.

اقرأ أيضاً: احتفالاً بالحياة

دلالات

المساهمون