ورحل أبو القمح المصري

ورحل أبو القمح المصري

19 يناير 2016
مصر أكبر مستورد للقمح في العالم (فرانس برس)
+ الخط -

 

قبل أن أناقش ملف القمح الفاسد الملوث بطفيل الإرجوت في حلقة تليفزيونية أخذت وزملائي في الإعداد نبحث عن الرقم الذي نسيته للأسف في أجندة أحتفظ بها بأرقام العلماء والباحثين المصريين المتخصصين في الزراعة والري.

ويبدو أن الحلقة الـتي أثارت الموضوع بشكل مهني قد أثارت أمورا أخرى؛ حيث رأينا عضوا في مجلس النواب يتقدم في اليوم الثاني بطلب إحاطة عاجل عن دخول شحنة قمح أوكراني لمصر لا تزيد نسبة الإرجوت ( طفيل يهاجم القمح والشعير) فيها عن 05% بعد أن كانت الحكومة المصرية قد رفضت القمح الملوث بهذا الطفيل الذي ربما يسبب أضرارا صحية للإنسان والحيوان.

ويبدو أيضا أن القدر أرسل برسالة إلى المسؤولين في مصر الذين أهملوا زراعات القمح ولم يعطوا الفلاح المصري حقه وتناسوا أن مصر استطاعت تطوير الأقماح خلال الأعوام الماضية من خلال كوكبة من علماء الزراعة.

قاد هذه الكوكبة العالم الكبير الدكتور عبد السلام جمعة الذي أطلق عليه المصريون لقب "أبو القمح" نتيجة لأبحاثه ودراساته التي ارتفعت بالإنتاجية لأرقام كبيرة وصل الإنتاج في بعضها إلى 24 أردبا في المحافظات، بل إن الحقول الإنتاجية وصلت إلى 35 أردبا حسب آخر تصريحات لـ "أبو القمح" قبل وفاته.

ويبدو أن قلب "أبو القمح" لم يتحمل سخفا وتدنيا أكثر حول القمح واستيراد قمح غير مطابق للمواصفات لا يصل إلى عُشر جودة القمح المصري، فكان أن ترك العالم الجليل الدنيا بعد أن قدم عشرات الأصناف من الأقماح الجيدة للفلاح والباحثين.

ويبدو أن تكرار دخول شحنات القمح الفاسد لمصر الذي كان غالبا ما يبرر بقضية السعر لم يكن موجودا في آخر حادثتين، حيث إن القمح قد انخفض سعره عالميا ليتراوح ما بين 120 و150 دولاراً للطن، محققا انخفاضا بنسب تتراوح ما بين 40 و50%، وهنا يتساءل المحبّون لمصر وللمصريين: إذا كان سعر القمح انخفض، فلمَ الإصرار على استيراد أسوأ الأصناف العالمية، بل أفسدها؟

اقرأ أيضاً: مصر تغير شروط السداد في مناقصات استيراد القمح

وهنا أتذكر ما نُقل عن الراحل والكاتب الساخر جلال عامر الذي كان له تعليق ساخر حول القمح المستورد وتكرار دخول شحنات القمح الفاسد مصر خلال الـ 40 عاما الماضية، والإصرار على عدم تطبيق المواصفات الأوروبية مثل ما رأيناه بالتقليل من المواصفات مرة مع القمح الفرنسي "في قضية الرطوبة"، وأخرى مع القمح الأوكراني "طفيل الإرجوت"، حيث ذكر البعض أمام الكاتب أنه تم استيراد شحنة قمح فاسد، فضحك ساخرا: "وقال: بالذمة القمح هو اللي فاسد"؟

وهنا نعود لمصر وللقمح ونطرح تساؤلا حول سر هذا الإصرار الغريب من المسؤولين في مصر على استيراد قمح ملوث بطفيل الإرجوت، في الوقت الذي ذكر رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي المصري الدكتور علي سليمان أنه لم يكن أبدا مقبولا أن يوافق الحجر الزراعي (الجهة المسؤولة عن فحص القمح المستورد) على دخول قمح ملوث بطفيل الإرجوت.

ولماذا تقبل هيئة السلع التموينية (الجهة الرسمية المستوردة للقمح) استيراد قمح ملوث بطفيل قال عنه الخبراء إنه يصيب الإنسان والحيوان بالسرطان ويؤثر عليه تأثيرا مباشرا، فيسبب الإجهاض للإنسان والحيوان، بل إنه يتجه للكبد، وربما عزز ذلك ما اعتمدته الجهات الحكومية التي بدلت عملية تنقية القمح من التنقية بالماء للتنقية بالهواء قبل طحنه، وهو ما يعزز فرص بقاء الطفيل في الدقيق والنخالة ووصولها المباشر للمستهلك حسب تصريحات مستشار وزير التموين الأسبق.

ولعل أكثر الأمور فداحة هو خسارة مصر لعالِم بحجم عبد السلام جمعة الذي أسس مدرسة في القمح المصري استطاعت أن تفتح الآفاق للوصول إلى إنتاجية أكثر، وربما مع قلة الموارد المائية وندرتها وتآكل مساحة الأرض الزراعية يصبح رفع مقدار إنتاجية الفدان من خلال البحث العلمي هو الحل لنقص القمح في مصر التي تزرع ما بين 2,7 إلى 3 ملايين فدان قمح، ورغم هذه الانتاجية تعتبر البلاد المستورد الأول للقمح في العالم.

وتبقى الرسالة الأخيرة التي ربما أراد "أبو القمح" أن يرسلها ولم يمهله القدر ليقولها للمسؤولين المصريين الذين أهملوا الفلاح والقمح المصري واستمروا في استيرادهم أسوأ الأصناف من القمح، وهي "كفاكم إرجوت ورطوبة وسوس، واتقوا الله في خبز المصريين".

 

 

اقرأ أيضاً:
تعثر 15 ألف مصنع في مصر
أزمة قمح توقف 50% من مطاحن مصر

دلالات

المساهمون