عن أزمة المشروعات الكبري

عن أزمة المشروعات الكبري

26 يونيو 2015
مشروع المليون شقة لم يجد بعد طريقه إلى التنفيذ(أرشيف/الأناضول)
+ الخط -

هناك مثل شعبي مصري شهير يقول "مبروم على مبروم ميلفّش"، وفي رواية أخرى "ما يرلش"، والمبروم بالطبع هو الخيط المفتول.
وللمثل الشعبي عدة تفسيرات، منها أن الطرفين ذكيان أو لئيمان يفهمان بعضهما جيدا، وبالتالي لا يمكن لأحدهما أن يضحك على الآخر أو يخدعه عند التفاوض معه أو حتي الكلام معه.
ومنها أنه لا يمكنك أن تصر على صحة وجهة نظرك في شيء وتدافع عنها علي أنها الحق الأوحد، وكل الدلائل تؤكد عكس ما تقول.
أو أن المثل تعبير عن أن زيدا يفهم جيداً ما يدور بعقل عمرو؛ لأن زيدا فعل ما يروج له عمرو، وبالتالي لا يمكن لزيد أن يخدع عمرو ويبرمه.
وبغض النظر عن التفسيرات المتعددة للمثل الشعبي المصري الشهير، فإنه ينطبق من وجهة نظري وبدرجة كبيرة على أكبر مشروعين تتبناهما الحكومة المصرية حالياً ضمن مشروعات قومية كبرى وعدت بتنفيذها.
والمشروعان المقصودان، الأول هو إقامة مليون وحدة سكنية للشباب والفقراء بتكلفة استثمارية قيمتها 280 مليار جنيه (36.6 مليار دولار) بهدف القضاء على أزمة السكن الخانقة، والثاني إقامة عاصمة إدارية جديدة لمصر بتكلفة 90 مليار دولار بهدف حل أزمة التكدس السكاني والمروري في العاصمة الحالية القاهرة.
هناك بالطبع خيط مشترك يجمع بين المشروعين العملاقين، وهو أن شركتي بناء وتشييد إماراتيتين أعلنتا مسؤوليتهما عن التنفيذ: الأولى شركة أرابتك صاحبة فكرة مشروع إقامة المليون وحدة سكنية للشباب، والثانية شركة كابيتال سيتي بارتنرز التي يرأسها المستثمر الإماراتي، محمد العبار، رئيس شركة اعمار المعروفة، والمكلفة بتنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.
مشكلة المشروعين تكمن في أن الطرفين المصري والإماراتي "بيبرموا" علي بعض، فالإماراتيون تصوروا أن صيداً ثميناً سيأتيهم من جهة مصر، وأن مليارات الدولارات والأرباح الضخمة ستتدفق على خزانتهما لتغذي بعضها الخاوي في حال تنفيذ المشروعين العملاقين، فالأرض التي ستقام عليها العاصمة الجديدة والمليون وحدة سكنية سيحصلون عليها مجانا من الحكومة المصرية، والتمويل ستوفره البنوك المصرية التي لديها فوائض مالية ضخمة بسبب ضعف فرص الاستثمار في مصر.
والأهم من ذلك هو أن الشركتين تحظيان بدعم سياسي من قيادة البلدين " مصر والإمارات" يذلل أمامهما كل الصعاب ويحل أحلامهما لواقع سريع.
والحكومة المصرية تصورت أنه من خلال إقامة المشروعين العملاقين ستصيد عدة عصافير بحجر واحد، جذب استثمارات خارجية ضخمة والتسويق لفكرة عودة الاستثمارات الدولية لمصر مرة أخري، وجذب نقد أجنبي يتم من خلاله تغذية احتياطي البنك المركزي، حيث ستقوم الشركتان بالقدوم إلى مصر ومعهما خبراتهما وأموالهما وتكلفة المشروعين البالغة أكثر من 126 مليار دولار، وهذه الأموال ستأتي سواء من بنوك إماراتية أو مصارف خارجية تتعامل معها الشركتين، كما أن الحكومة ستحل أزمات مستعصية علي أنظمة سابقة كالسكن والزحام المروري والتكدس العمراني بدون تحميل موازنة الدولة أية أعباء مالية اضافية.
ولأن "مبروم الشركتين الإمارتيتين على مبروم الحكومة المصرية ميلفّش والعكس"، من هنا حدث الصدام بين الطرفين الذي قد يفضي إلى تعثر المشروعين ودخولهما خانة "الفنكوش" أي المشروعات الوهمية، لأن كل طرف يتناصح علي الأخر ويمارس عليه سياسة الذكاء.

المساهمون