المال الانتخابي هاجس يقلق الحكومة والأحزاب بالمغرب

المال الانتخابي هاجس يقلق الحكومة والأحزاب بالمغرب

09 اغسطس 2015
جانب من عمليات الاقتراع في الانتخابات البرلمانية (أرشيف/Getty)
+ الخط -

هاجس استخدام المال في التأثير على نتائج الانتخابات المقبلة، يقلق رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، الذي أعرب، يوم الخميس الماضي، عن تخوفه من تدخل المال في الانتخابات المقبلة.

وفي الفترة الأخيرة، دأب بنكيران على إثارة هذا الأمر تلميحاً، ولكنه حينما قدم أول أمس، لوائح حزبه للانتخابات المحلية والجهوية، عبر عبدالإله بنكيران عن تخوفه من تسرب المال إلى الانتخابات المقبلة، معتبراً أن " المال المستخدم في الانتخابات يمثل خطراً كبيراً على سلامة الديمقراطية في البلاد".

لكن في الوقت نفسه، ينأى بنكيران بالسلطة عن التحكم في الانتخابات، و يميز بين المسؤولية التقنية التي يتحملها وزير الداخلية تجاه الانتخابات، وبين المسؤولية السياسية التي يتحلمها شخصه كرئيس للحكومة.

ولكن ما الذي يبرر التخوفات التي يبديها بعضهم، أحزاباً ومراقبين، من استعمال المال في الانتخابات المقبلة؟ يشير الدكتور سعيد خمري، الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية، إلى أن الانتخابات مؤطرة بترسانة من القوانين التي اهتمت بتفاصيل العملية، غير أنه من الناحية السياسية والاستراتيجية بالنسبة لهذا الباحث، تطرح الانتخابات قضية التمويل في تحقيق رهانات اللحظة الأخيرة. ويذكر أن دستور 2011، الذي يؤطر للانتخابات،جاء بعد دينامية داخلية في سياق الربيع العربي، والتي كانت من بين مطالبها تحقيق الديمقراطية وشفافية العملية السياسية.

هنا يصبح توظيف المال وطبيعته معياراً لمدى التوجه لتحقيق ذلك الهدف، حيث يميز خمري بين التوظيف المشروع للمال الذي يدخل في إطار الحملة بمعناها المتعارف عليه، وبين استعمال المال من أجل استمالة الناخبين. علماً أن الأموال التي تصرف في الانتخابات تأتي من الدولة. وخصصت وزارة المالية أكثر من 30 مليون دولار لدعم الأحزاب والنقابات كي يتأتى لها تمويل الحملات الانتخابية.

فقد رصدت الوزارة 25 مليون دولار لتمويل الانتخابات المحلية والجهوية التي ستنظم، يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، و5 ملايين دولار لتمويل حملات الانتخابات للغرفة الثانية في البرلمان،التي ستجري الاستحقاقات المتعلقة بها، في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. لكن ما الذي يبرر التخوف من إفساد المال للعملية الانتخابية؟.

ويؤكد خمري، أنه في مرحلة التسخينات (الدعاية) التي تسبق انطلاق الحملة الانتخابية، يظهر من يطلق عليهم " العمال الموسميون" في مجال الانتخابات الذين يقدمون خدماتهم للمرشحين بمقابل مالي.

ويتصور الاقتصادي المغربي محمد لشكر، أن الطريقة القديمة التي كان المرشحون يبذلون فيها المال بشكل مباشر لمن يرغبون في الحصول على أصواتهم، يوم الاقتراع، لم تعد سارية اليوم، فقد أضحى بعض المرشحين حريصين على ضم بعض الأشخاص الذين لهم تأثير ما على الناس، حيث يعملون معهم أثناء الحملة بمقابل مالي، بينما يتولون أولئك الأشخاص إقناع الناس بالتصويت لمن يعمل لديه في تلك الفترة.

اقرأ أيضاً: اقتصاد المغرب ينتعش صيفاً بأموال المغتربين

ويشير لشكر إلى أن الأغلبية الساحقة من المرشحين تسعى إلى استمالة الناس عبر طرق مختلفة، فإذا كان هناك من يبذل المال كي يصوت الناس لصالحه، يوم الاقتراع، فإن هناك أحزاباً تعول كثيراً على أياديها البيضاء، التي تكون لها على بعض الناخبين، وهذا حال الأحزاب الإسلامية، التي تعتمد منطق الصدقة في علاقتها مع الناخبين.

ويعتبر الباحث حسن طارق، أن المال لم يبتعد عن الانتخابات، حيث يظل، على الرغم من القوانين التي سنت من أجل تفادي ذلك، وثيق الصلة بالتنافس الانتخابي في المغرب، وهو يعتبر ذلك الحضور تذكيه مراكز نفوذ مالي وعقاري و اقتصادي.

ويضرب طارق مثلاً بقطاع العقار، حيث تصبح الانتخابات المحلية، رهاناً بالنسبة لبعض الفاعلين الذين يسعون إلى التأثير على تشكيل المجالس المحلية. حيث يعمد أصحاب المصالح العقارية إلى دعم المرشحين الذين يمكن أن يساهموا في اتخاذ قرارات، قد تفضي إلى إتاحة بعض الاستثناءات في التراخيص ذات الصلة بالعقار.

ولا يرى حسن طارق أن شركات الخدمات ستكون لاهية عن مآل الانتخابات المحلية في بعض المدن. فتلك الشركات التي تدبر قطاعات النظاقة والماء والكهرباء، تنشغل بتلك الانتخابات، حيث تراقب اتجاه النتائج التي تؤشر طبيعتها على التحالفات المحتملة.

وحول دور رجال الأعمال في توجيه الانتخابات في المغرب؟ يجيب محمد لشكر، إن رجال الأعمال بالمعنى المتعارف عليه، لا تشكل بالنسبة لديهم الانتخابات المحلية رهاناً يدعوهم إلى السعى في مجرياتها، فهو يتصور أن رجال الأعمال لديهم طرقهم لتحقيق مصالحهم، حيث يمارسون " اللوبيينغ" دون المرور في غالب الأحيان عبر صناديق الاقتراع.

ويعتقد طارق أن التنافس في الانتخابات المحلية لا يستند، في المقام الأول، إلى قوة البرنامج، بل تتدخل فيه اعتبارات لها علاقة في كثير من الأحيان بالعائلة والمنطقة والقبيلة، حيث يعتبر هذا الباحث أنه لا ضير في اللجوء إلى من لهم نفوذ لم يتأت لهم عبر طرق مشبوهة.

ويعتقد المراقبون الذي تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أن تسرب المال، يجد مبرره في غالب الأحيان في اعتقاد الناخب، أن المرشح يقدم الوعود بسخاء للجماعة، لكن ما أن تحمله صناديق الاقتراع إلى ما كان يصبو إليه حتى يخلف وعوده، ما يرسخ لدى بعض الناخبين ميلاً نحو اقتناص الفرص ومبادلة أصواتهم بالمال، مادام التصويت لن يغير في الأمر شيئاً، وهذا يدفع بعض الأحزاب، حالياً، إلى التركيز على شعارات تقوم على فكرة ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ويذكر أن الفقر في المغرب يدفع بعض الشخصيات السياسية لاستغلال حاجة الفقراء بتقديم بعض الأموال للحصول على أصواتهم. وهذه السلوكيات تعد تشويهاً مباشراً للعملية الديمقراطية في المغرب.


اقرأ أيضاً: ديون المغرب تدخل "المنطقة الحمراء"

دلالات

المساهمون