صحافيو السودان يصارعون قبضة الأمن

صحافيو السودان يصارعون قبضة الأمن

27 يناير 2019
انطلقت التظاهرات السودانية في 19 ديسمبر (الأناضول)
+ الخط -
حين كان الصحافي في صحيفة "التيار" السودانية المستقلة، علي فارساب، يغطي التظاهرات السلمية التي تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير، في منطقة بري، شرق الخرطوم، يوم الخميس، سقطت أمامه عبوة من الغاز المسيل للدموع. حاول فارساب تحاشيها عبر ركلها، لكنه أصيب بكسر في الأمشاط، فنُقل إلى المستشفى حيث أجريت له الإسعافات اللازمة، قبل مغادرته إلى منزله.

ما حصل مع فارساب هو شكل من أشكال التغطية غير الآمنة التي يُقدم عليها الصحافيون السودانيون، منذ بدء الحراك الشعبي في البلاد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. إذ سبق هذه الحادثة اعتداء على المحرر العام في صحيفة "السوداني"، ياسر عبد الله، على يد أفراد يرتدون الزي الرسمي للقوات النظامية.

وتتزايد حملة التضييق على الصحافيين السودانيين في تغطية الاحتجاجات الشعبية، منذ التاسع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكانت آخر وقائع هذا التضييق سحب رخص خاصة بـ 6 من مراسلي قنوات التلفزيون ووكالات الأنباء، وهو الأمر الذي اعتبره ناشطون حقوقيون تطوراً خطيراً، في ظل عدم الرضا الذي تبديه الحكومة السودانية إزاء تغطية وسائل الإعلام الخارجية لما يحدث هذه الأيام في البلاد.

وشملت قائمة المراسلين الذين سُحبت رخص عملهم مراسلي "شبكة الجزيرة الإعلامية"، أسامة سيد أحمد وأحمد الرهيد وبدوي بشير، علماً أن الرهيد وأسامة سيد أحمد يعدّان من أكثر الصحافيين نشاطاً في مكتب القناة، ولم يغيبا عن الأحداث الجارية داخل العاصمة الخرطوم وخارجها. أما بدوي بشير فيعمل مصوراً في قناة "الجزيرة مباشر"، ونجح في نقل عدد كبير من المواكب التي تسيرها المعارضة على الهواء مباشرة، مستخدماً هاتفه المحمول.

وقد نددت "شبكة الجزيرة الإعلامية" بهذا الإجراء، واصفة إياه بـ "المتعسف والفاقد لأي مبررات موضوعية، والمناقض لحرية الإعلام". وأعربت، في الوقت نفسه، عن أملها في أن تُعيد السلطات السودانية تراخيص العمل إلى العاملين فيها، في أقرب وقت ممكن، وتمكنهم من أداء مهامهم في ظروف آمنة ومن دون مضايقات.

كما طاولت القائمة مراسل قناة "العربية" و"العربية الحدث"، سعد الدين حسن. والملاحظ هنا أن الحكومة كانت تبادر إلى إغلاق المكتب كلياً، إلا أنها اكتفت هذه المرة بتوقيف المراسل، مع السماح للقناة بمواصلة تغطيتها للأحداث.

وشملت أيضاً مراسل وكالة "الأناضول" التركية، بهرام عبد المنعم، والمصور في الوكالة نفسها، محمود حجاج. لكن سُمح للمراسلين الآخرين في "الأناضول"، وهما عادل عبد الرحيم وحسام بدوي، بمواصلة عملهما.

وكانت السلطات السودانية قد طلبت من مندوب "التلفزيون العربي" في الأيام الأولى من الاحتجاجات مغادرة البلاد، احتجاجاً على تغطية القناة للأحداث.

وفي الوقت نفسه، لا تزال السلطات الأمنية تحتجز عددا من الصحافيين، وهم عادل إبراهيم وعقيل أحمد ناعم وكمال كرار وعمر جمعة وقرشي عوض وإسماعيل بلال، وكذلك المخرج الصحافي في صحيفتي "السوداني" و"الأخبار"، محمد بابكر.

كما تمنع وسائل الإعلام المحلية من تغطية الاحتجاجات شبة اليومية، وتصادر الصحف التي تقوم بذلك، بعد الطباعة. إذ صادرت أعداداً من صحف "التيار" و"البعث" و"الجريدة" التي بلغت عدد مُصادراتها ومنعها من الطباعة 23 مرة منذ التاسع عشر من الشهر الماضي. كما صادرت صحيفة "الميدان"، التابعة للحزب الشيوعي السوداني، الأحد الماضي، للمرة السابعة منذ الثامن من يناير/كانون الثاني الحالي.

كما أوقف الصحافية في صحيفة "الانتباه"، سهير عبد الرحيم، عن الكتابة لأجل غير مسمّى. وتواجه عبد الرحيم بلاغاً جنائياً حركه جهاز الأمن والمخابرات ضدها، وسبق ذلك إيقاف زميلها محمد عبد الماجد عن الكتابة.

ويواصل جهاز الأمن السوداني فرض رقابة قبلية مشددة على الصحف الورقية، ولا يسمح بطباعة أي صحيفة تحتوي على مواد خاصة بالاحتجاجات الشعبية باستثناء البيان الرسمية. وحين حاول صحافيون الاحتجاج على تلك الأوضاع، نظموا وقفة أمام مقر جهاز الأمن، لكن نحو 28 صحافياً اعتقلوا، واحتجزوا لساعات عدة، قبل إطلاق سراحهم، بناء على وساطة من "اتحاد الصحافيين" المقرب من الحكومة.

ورأت "شبكة الصحافيين السودانيين" الموالية لتجمع المهنيين المعارض أن المضايقات التي تواجهها الصحافة "امتداد للحملة المسعورة والتضييق على وسائل الإعلام المختلفة"، مشيرة في بيان لها إلى أن "تصرفات جهاز الأمن الهوجاء لن تزيد الصحافة السودانية إلا صموداً وإصراراً على قول الحقيقة".

من جهتها، دانت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" إجراءات السلطات الحكومية تجاه الصحافة. وقالت في بيان لها إن "القرارات الحكومية هي قرارات تعسفية وتنتهك حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وتجعل من بيئة العمل الصحافي في السودان غير آمنة"، مشيرة إلى أن استهداف الإعلام مراد به "طمس الحقيقة وإخفاء ما يرتكب من انتهاكات بحق معارضيه".

ودعت المنظمة الخرطوم إلى الكف عن ممارساتها الرامية لانتهاك حرية الرأي والتعبير والاعتداء على حرية الصحافة، وإلغاء قرارات سحب تراخيص عمل الصحافيين، وتمكينهم من أداء مهامهم في ظروف آمنة من دون مضايقات.

وسبق للأمين العام لاتحاد الصحافيين السودانيين أن أكد لـ "العربي الجديد" سعي الاتحاد عبر تواصله مع السلطات الحكومية لتوفير الظروف المطلوبة للصحافيين للقيام بواجبهم في بيئة آمنة، مشيراً إلى أن الاتحاد حرص في أكثر من مرة على إطلاق سراح أي صحافي يتم توقيفه أثناء الاحتجاجات.

المساهمون