تغطية الاحتجاجات: صحافيو السودان بين الرقابة والخبر

تغطية الاحتجاجات: صحافيو السودان بين الرقابة والخبر

27 ديسمبر 2018
بدأت الاحتجاجات منذ أسبوع (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
وضعت صحيفة "الجريدة"، في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء، اللمسة الأخيرة لعدد يوم الأربعاء الذي كان عنوانه العريض "المانشيت" عن الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام والمنددة بموجة الغلاء التي ضربت البلاد. ولم تكتفِ "الجريدة" بذلك، بل أعدّت صفحة كاملة مع الصور حول موضوع الساعة، بينما اهتم عدد من كتاب المقالات في الصحيفة بالتعليق على الأحداث. 
غيرَ أنّ مقص الرقيب الذي عاد منذ بدء بداية الاحتجاجات الأسبوع الماضي، أمر بحذف كل تلك المواد، وإلا عدم السماح للصحيفة بالصدور. بيد أن الصحيفة أصرت على موقفها اعتقادا من إدارتها بأن غاية ما يريده القارئ هو معرفة ما يدور في بلده من أحداث حيّة وتحليلها، لذا كان قرار إدارة التحرير هو عدم الصدور يوم الأربعاء، باعتباره الأنسب في مثل هكذا حالات.
هذه هي المرة الثانية التي تحتجب فيها صحيفة "الجريدة" على وقْع الاحتجاجات، بعدما احتجبت يوم السبت الماضي، مع صحيفة "التيار"، بعد رفضهما الخضوع لتوجيهات من جهاز الأمن والمخابرات بحذف عدد من الموضوعات المتعلّقة بالاحتجاجات، بينها أخبار وقوع قتلى، قبل الطباعة.

يقول رئيس التحرير، أشرف عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن المواد التي أعدتها صحيفته من أخبار وقصص جاءت من واقع معايشة محرريها للأحداث في الميدان، وأن المواد أعدت بكل مهنية ومصداقية وحيادية، واستوعبت حتى الرأي الحكومي، بل منها أخبار منسوبة للمركز السوداني للخدمات الصحافية، المقرب من الدوائر الحكومية "ولم يكن في أخبارنا أي تحيز لصالح جهة، وليس فيها تضخيم لما جرى".
ويصف عبد العزيز ما يحدث من تعاط حكومي مع الصحافة بأنه انتهاك دستوري، وانتهاك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقرّ ويشدد على حرية التعبير.

من جهتهم، يقول عاملون في قنوات تلفزة حكومية وخاصة، إنهم يواجهون ذات المشكلات التي تواجهها الصحافة الورقية. ويقول صحافي، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إنّ توجيهات مستمرّة تصدر لهم بعدم تناول الاحتجاجات، والطلب منهم في نفس الوقت تصويرها كمظهر تخريبي تقف خلفه جهات سياسية.

وقبل أيام، كانت مذيعة في قناة "الشروق"، واسمها إيمان بركية، تُعلّق في برنامج "صباح الشروق" على ما تُكرّره الحكومة بأن المشاركين في المظاهرات مجرد مخرّبين، قائلةً إنّ هذا التوصيف لا يشمل الجميع، بحجة أنّ فيهم محتجّين على الأوضاع المعيشية وهذا حق دستوري، لكنّ إدارة القناة عرّضتها للمساءلة عن ذلك التعليق.

وكانت قناة "سودانية 24" تبدو الأكثر جرأة في تناول الأحداث، إذ سمحت بظهور معارضين في برامجها. ويقول مصدر في القناة إنّ "ما يميزهم هو القدرة على الوصول إلى المسؤولين الحكوميين، حتى يحققوا توازناً ولو نسبياً في التغطية والتناول للأحداث"، مشيراً إلى أنهم في حلقة واحدة من برنامج "حال البلد" استضافوا 5 ولاة لولايات شهدت حراكات شعبيةً، لكن ما أزعج العاملين في قناة "سودانية 24" هو التوجيهات التي صدرت من الإدارة بمنعهم من التعبير عن أنفسهم حيال الحراك الشعبي والأوضاع الاقتصادية في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لا يُحسب ذلك على القناة ككُلّ.

وفي تطور لاحق، الأربعاء، أوقفت قناة "سودانية 24" الصحافي يوسف الجلال عن العمل في القناة، بسبب ما اعتبرته "تهديدًا لها نتيجة ظهور الجلال كمحلل سياسي في القنوات الفضائية"، إضافةً لاختياره لموضوعات ناقدة للحكومة في برنامج يختصّ باستعراض أقوال الصحف السياسية.
ويشارك الجلال في إنتاج برنامج "مانشيتات سودانية" الذي يستضيف صحافيين للتعليق على الأحداث. وتقول مصادر داخل القناة إنّها تتعرض لضغوط كثيفة لوقف اهتمامها المتزايدة بموضوع الحراك الشعبي، مستشهداً بإصرار الجهات الحكومية على عدم ظهور عدد من الصحافيين في البرنامج نفسه. وتُبيّن المصادر أن إدارة القناة تشعر بالقلق من احتمال صدور قرار بإغلاقها أو فرض رقابةٍ مباشرة عليها.


من جهتها، تبدو المواقع الإلكترونية هي الأكثر حريّة من غيرها، إذ إنّها بعيدة، حتى الآن، عن عين الرقيب، ما زاد الاهتمام بها خلال الأيام الماضية.

اللافت، خلال يوم الثلاثاء الماضي، هو ما حدث مع مكاتب القنوات الدولية ومراسليها في الخرطوم. فقد مُنعت مراسلة "التلفزيون العربي"، سالي عثمان، من تغطية الاحتجاجات، فيما تم طرد مندوبه من السودان، عدنان جان، وإمهاله 24 ساعة فقط لمغادرة البلاد. وإضافةً إلى ذلك، أمرت الجهات المختصة الشركات الإعلامية العاملة في مجال الإنتاج الإعلامي بعدم إتاحة فرصة للمراسلين بالظهور على الهواء مباشرة عبر الأقمار الصناعية ولا الضيوف، ما أثّر إلى حد بعيد على تغطيتهم.



وكان المحرر العام لصحيفة "السوداني"، الصحافي ياسر عبد الله، قد تعرّض لاعتداء أمام مقر صحيفته، نُقل على إثره إلى المستشفى، ما ألقى الضوء على سلامة الصحافيين أثناء التظاهرات، حيث لا تتم مراعاة مهمتهم ويتم التعامل معهم مثلما يتم التعامل مع المحتجّين.

ويقول الصحافي فيصل محمد صالح لـ"العربي الجديد" إنّ المتلقي في السودان لو اعتمد على وسائل الإعلام المحلية، لن يدرك ما يدور من أحداث، لأن الحكومة حريصة كل الحرص على التعتيم، بفرض رقابة قَبْليّة على الصحافة الورقية وفرض توجيهات أسوأ على قنوات التلفزة المحلية التي اكتفت بنشر البيانات الحكومية فقط ورؤيتها للأحداث.
ويضيف صالح أنّ "السودانيين اعتمدوا تماماً على القنوات الفضائية العالمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي"، منوهاً إلى أن استخدام مواقع التواصل تم بنجاح شديد، رغم حجبها، وذلك باستخدام برامج بديلة، ما مكّنهم من تبادل المعلومات، رغم محاولات البعض نشر معلومات فيها بقصد البلبلة.

ويتوقع بروز حالة تمرّد داخل قنوات التلفزة من بعض العاملين بصورة أو بأخرى، لأن كثيرا من العاملين يدركون حقيقة أن ما يحدث هو تعبير سلمي مشروع.

من جهته، يقول الأمين العام لاتحاد الصحافيين، صلاح عمر الشيخ، إن الاتحاد لا يساند مطلقاً منع الصحافيين من تغطية الأحداث ويتدخل بسرعة في حال احتجاز أي صحافي، مستشهداً بتدخّله الناجح في إطلاق سراح الصحافي يوسف بشير من صحيفة "المجهر" الذي اعتُقل على هامش الأحداث.
ويُضيف الشيخ أن الاتحاد مهتمّ كذلك بموضوع عودة الرقابة القَبْلية على الصحافة الورقية، وأن لجنة خاصة بميثاق الشرف الصحافي تجتمع باستمرار مع الأجهزة المختصة لإنهاء الرقابة والاحتكام إلى ميثاق الشرف الصحافي.

المساهمون