هل يرضخ ماسك لـ"كلمة الشعب" هذه المرة؟

هل يرضخ ماسك لـ"كلمة الشعب" هذه المرة؟

20 ديسمبر 2022
الاتحاد الأوروبي طلب منه الإدلاء بشهادته أمام المجلس التشريعي (جوناثان را/Getty)
+ الخط -

فجر الثلاثاء، غرّد إيلون ماسك للمرة الأولى منذ تصويت أكثر من 10 ملايين مستخدم لـ"تويتر" لتنحيه عن منصبه رئيساً تنفيذياً فيها، ليقول إنّ المشتركين في الخدمة المدفوعة "تويتر بلو" هم وحدهم الذين سيتمكنون من المشاركة مستقبلاً في استطلاعات الرأي المتعلقة بالسياسات على المنصة.

يوم الأحد، وضع إيلون ماسك مصيره في "تويتر" بين أيدي مستخدميها، في خطوة طبعتها الفوضى والعشوائية اللتان سيطرتا على قراراته منذ استحواذه عليها رسمياً مقابل 44 مليار دولار أميركي، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. سأل ماسك متابعيه: هل عليّ التنحي عن رئاسة "تويتر"؟ ووعد بأنه سيلتزم نتائج الاستطلاع أياً كانت.

عند إغلاق الاقتراع الاثنين، كان 57.5 في المائة، من إجمالي 17 مليون شخص شاركوا فيه، قد صوتوا لتنحي ماسك عن منصبه. ماسك هو المالك الأكبر في الشركة، ولا يمكن أحداً إجباره على الخروج منها، لكن سلسلة من القرارات المربكة التي اتخذها على مدار الأيام القليلة الماضية سبّبت امتعاضاً حتى لبعض أقرب مؤيديه، وفق ما أشارت مواقع إخبارية أميركية.

وهو يغرّد بكثافة في العادة، لكنّه لم يكتب حرفاً في الساعات التي أعقبت إعلان نتيجة الاستطلاع. كسر صمته أخيراً ليرد على تخمينات بأنّ النتيجة حُرِّفت من طريق حسابات زائفة، قائلاً إنّه "أمر مثير للاهتمام".

كان ماسك قد أشار إلى أنّه لم يعدّ أي خطة لخلافته، قبل ظهور نتائج الاستطلاع. وكتب: "لا أحد يريد تولي الوظيفة التي تبقي تويتر على قيد الحياة. لا خَلَف لديّ". وفي ردوده على المغردين، قال أيضاً إنّ الشركة "تتجه سريعاً نحو الإفلاس منذ مايو/ أيار".

وفي هذا السياق، رأى الصحافي جون شوورتز أنّ تنحي ماسك عن رئاسة "تويتر" من عدمه، مسألة غير مهمة، لأنّه في النهاية يملكها. وكتب الثلاثاء، في موقع ذي إنترسبت الإخباري: "من المهم في مثل هذه اللحظات أن نتذكر معنى الرأسمالية؛ الأشخاص الذين يمتلكون الشركات هم من يقررون ما تفعله. عادة ما يعيّن هؤلاء مجلس إدارة يعيّن بدوره الرئيس التنفيذي للشركة. إذا لم يعجب مجلس الإدارة بأداء الرئيس التنفيذي، فسيعين شخصاً آخر محله. إذا لم يعجب المالكون بالمجلس، فسيستبدلونه". وأضاف أن ماسك "له كامل الحرية في تعيين أي شخص يريده لإدارة الشركة. بعد أن اشتراها، عيّن نفسه رئيساً. ولكن، حتى إن التزم الآن الاستطلاع الأخير ووظف شخصاً آخر، فسيظل مسؤولاً في نهاية المطاف. وإذا لم يعجبه أداء الرئيس التنفيذي الجديد لسبب أو من دون سبب، يمكنه استبداله".

محطات كثيرة شهدتها "تويتر" منذ استحواذ ماسك عليها رسمياً: إقالة رؤساء تنفيذيين كبار فيها، وتسريح مشرفين على المحتوى وأكثر من نصف الموظفين في أقسام الشركة كافة، وموجة استقالات، ودعاوى قضائية، وإحجام المعلنين عن الإنفاق فيها خوفاً من ظهور إعلاناتهم إلى جانب محتوى مثير للجدل، وإطلاق الخدمة المدفوعة، والتراجع عنها، ثم طرحها مجدداً، ومنع الترويج للمنصات المنافسة ثم الإقرار بخطأ الخطوة، وإعادة تشغيل حسابات شخصيات يمينية متطرفة، وإعلان خسارة المنصة 4 ملايين دولار يومياً، والتخلي عن إجراءات مكافحة المنشورات المضللة المتعلقة بجائحة كوفيد-19، واستهداف حسابات صحافيين في مؤسسات عريقة، بينها سي أن أن ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، بحجة خوف ماسك من إفشاء بيانات قد تسمح "باغتياله"، ما قلب العالم كله عليه، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى تهديده بعقوبات.

ويبدو أن ماسك يستعد للمعارك القانونية في "تويتر"، وفق ما قال 7 أشخاص مطلعين على المسألة لصحيفة نيويورك تايمز، الأسبوع الماضي. وجدد وفريقه القسم القانوني في الشركة، وطرد أحد أقرب مستشاريه. وقالت المصادر نفسها، للصحيفة الأميركية، إن تعليمات صدرت للموظفين بعدم الدفع للموردين، تحسباً لدعاوى قضائية محتملة. لخفض التكاليف، قال 3 أشخاص مقربين من الشركة إنها لم تدفع إيجار مقرها في سان فرانسيسكو أو أي من مكاتبها العالمية لأسابيع. رفضت "تويتر" أيضاً دفع فاتورة قيمتها 197 ألفاً و725 دولاراً أميركياً للرحلات الجوية الخاصة التي جرت في الأسبوع الذي أنهى فيه ماسك الصفقة. وقال شخصان مطلعان إن قادة "تويتر" ناقشوا أيضاً عواقب الامتناع عن دفع تعويضات نهاية الخدمة لآلاف الأشخاص الذين سرحوا منذ الاستحواذ. وهدد ماسك الموظفين بدعاوى قضائية إذا تحدثوا إلى وسائل الإعلام و"تصرفوا بطريقة تتعارض مع مصلحة الشركة".

ومع الاستنزاف الكبير في شركة تويتر للمواهب القانونية، جراء الإقالات والاستقالات، سعى ماسك وراء محامين يعملون في شركاته الأخرى، وبينها سبيس إكس، لسد الفراغ. وفقاً لـ"نيويورك تايمز"، منح أكثر من ستة محامين من شركة استكشاف الفضاء إمكانية الوصول إلى أنظمة "تويتر".

واللجوء إلى استطلاعات الرأي عبر "تويتر" اتضح أنه استراتيجية مفضلة لدى إيلون ماسك من أجل فرض قراراته التي يستهلها عادة بجملة "الشعب قال كلمته"، وبينها إعادة تشغيل حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي حظر بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول، حيث الكونغرس الأميركي، في يناير/ كانون الثاني 2021، لانتهاكه سياسة التحريض على العنف.

بالنسبة إلى منظمة مراسلون بلا حدود، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، فإن الاستطلاعات هذه ليست إلا "حيلة فجة ومستهزئة". وقال رئيس المنظمة كريستوف ديلوار: "هذه الأساليب تبدو كأنها إجراءات ديمقراطية، لكنها في الواقع نقيض الديمقراطية".

وأبرز استطلاعات الرأي التي أطلقها الملياردير المثير للجدل عبر حسابه في "تويتر" تسبق امتلاكه للمنصة، فعام 2018 طلب رأي متابعيه باقتراحه إطلاق "موقع المصداقية الإعلامية" لتقييم الصحافيين. وأضاف في ملاحظة ساخرة: "يمكننا تسمية الموقع برافدا" في إشارة إلى الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي السوفييتي (1918-1991). نحو 90 في المائة من المشاركين في الاستطلاع، البالغ عددهم 680 ألفاً، أيدوا الفكرة.

انخرط ماسك أيضاً في العملات المشفرة. في مايو/ أيار من العام الماضي، غرّد مرات عدة حول عملة لا قيمة لها إلى الآن، وهي دوجكوين (dogecoin) التي أنشئت على سبيل المزاح. وأجرى استطلاعاً للرأي، سأل فيه عمّا إذا كان ينبغي لشركة تسلا التي يملكها أيضاً قبول هذه العملة كشكل من أشكال الدفع. أكثر من 78 في المائة من المشاركين، البالغ عددهم 4 ملايين، صوتوا بنعم. ارتفع سعر العملة حينها من نحو 5 سنتات إلى نحو 50 سنتاً، قبل أن يتراجع مرة أخرى.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، غرّد: "للعلم، أنا لا أحصل على راتب نقدي أو مكافأة من أي مكان. لدي أسهم فقط، وبالتالي إن الطريقة الوحيدة بالنسبة إليّ لدفع الضرائب شخصياً، هي بيع الأسهم". وسأل متابعيه إن كان عليه بيع 10 في المائة من حصته في "تسلا"، مؤكداً التزامه نتيجة التصويت. وبالفعل، أعلن لاحقاً أنه باع أسهماً بخمسة مليارات دولار في الشركة. وفي السياق، قال اثنان من موظفي "تسلا" إنهما طُردا بشكل غير قانوني، بعدما انتقدا سياسات الشركة، وفقاً للشكوى المقدمة إلى المجلس الوطني لعلاقات العمل في الولايات المتحدة، في ديسمبر/ كانون الأول الحالي.

إلى ذلك، أعلن البرلمان الأوروبي، الاثنين، أنّ رئيسته روبرتا ميتسولا أرسلت رسالة إلى إيلون ماسك تطلب فيها منه الإدلاء بشهادته أمام المجلس التشريعي للاتّحاد الأوروبي. ولا يملك البرلمان الأوروبي السلطة لإجبار ماسك على المثول أمامه. ولم يتّضح بعد ما إذا كان ماسك سيلبّي هذه الدعوة أو لا.

المساهمون