موسكو تحارب "مصابيح الحب" المعارضة

موسكو تحارب "مصابيح الحب" المعارضة

14 فبراير 2021
دعت المعارضة إلى إضاءة مصابيح الهواتف يوم الحب (فاليري شريفولين/Getty)
+ الخط -

في إطار سعيها إلى التخفيف من مشاركة شعبية واسعة، استجابة لدعوة المعارضة الروسية المواطنين إلى الخروج لدقائق وإضاءة مصابيح الهواتف النقالة أمام البيوت والتجمعات السكنية، اليوم الأحد، تجهد السلطات للتضييق على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، كما أطلقت تحذيرات من هجمات إرهابية.

وأفردت وسائل الإعلام الموالية للكرملين مساحات واسعة لتشويه سمعة المعارضين، عبر مقارنة إضاءة مصابيح الهواتف النقالة بمشاعل كان يحملها عملاء النازية، أثناء حصار مدينة لينينغراد (سان بطرسبورغ حالياً)، لإرشاد الطيران المعادي على أهداف فيها.

وفي الأيام الأخيرة، أرسلت هيئة الرقابة الروسية على الاتصالات (روسكومنادزور) طلبات إلى وسائل الإعلام بإزالة الأخبار كافة حول فعالية المعارضة. واعتبرت الهيئة هذه المواد دعوات للمشاركة في الفعاليات التي وصفتها بـ"غير القانونية وأعمال الشغب".

وأصدرت "روسكومنادزور" أمراً إلى وكالة TV 2، في مدينة تومسك، بإزالة خبر نشرته تحت عنوان "أنصار نافالني (أليكسي نافالني) يقترحون النزول إلى الشوارع بمصابيح في 14 فبراير"، أي يوم الحب. وجاء في الطلب الرسمي أن المنشور يحتوي على دعوات للمشاركة في أعمال شغب، لذا يجب إزالته، وإلا فإن الدائرة ستحجب الموقع الإلكتروني لوسيلة الإعلام. ولم تحدد السلطة الرقابية أي أجزاء من المنشور تنتهك القانون، لكن TV 2 اضطرت إلى حذفه.

تشدّد "روسكومنادزور" رقابتها على أخبار الفعالية التي دعا إليها أنصار نافالني

ووصف رئيس تحرير الوكالة، فيكتور موشنيك، الأحداث بـ"حالة جنون دولة"، مشيراً عبر صفحته على موقع "فيسبوك" إلى أنه "لا توجد لدينا موارد للتقاضي مع (روسكومنادزور) مرة أخرى، كما اعتدنا. لكن بفضل الترويج الهائل للدولة الآن حول المصابيح التي يمكنها إسقاط النظام وجذب طائرات (الناتو) إلى أهدافنا الاستراتيجية، على ما يبدو، بات الجميع في بلدنا يعرف عن الأمر".

كما واجه موقع "أتكريتويه ميديا" موقفاً مماثلاً، إذ طلبت "روسكومنادزور" إزالة خبرين تحت عنواني: "زاخاروفا ــ عن حملة أنصار نافالني بالمصابيح الكهربائية" و"مجلس الدوما لا يستبعد فرض عقوبات إدارية بعد حملة صندوق مكافحة الفساد بالمصابيح". وقالت رئيسة تحرير الموقع، يوليا ياروش، لصحيفة "نوفايا غازيتا" إن "هاتين المادتين ليستا حول الحملة، بل عن رد فعل السلطات عليها. هناك شعور بأن أحداً لم يحلل أي شيء، وقارن ما هو دعوة بما هو ليس كذلك. منذ 10 فبراير/شباط، تطالب (روسكومنادزور) بإزالة أي مواد تقريباً حول هذا الإجراء". وأوضحت ياروش أنه بعد التشاور مع المحامين، قرر المحررون إزالة المواد المحددة.

بناءً على طلب الهيئة أيضاً، حذف عمود الكاتب إيغور ياكوفينكو، في موقع "المجلة اليومية"، والمكرس أيضاً للحملة المزمعة. ووفقاً لطلب مكتب المدعي العام للاتحاد الروسي، يوم الخميس، فإن المعلومات المنشورة في العمود "تحتوي على دعوات للمشاركة في الأحداث الجماهيرية (العامة) التي تُنظم، في انتهاك للنظام المعمول به". كما بلغ موقع "نيوز رو" إنذار مماثل، بشأن خبر يتحدث عن الإجراءات التقييدية بحق وسائل الإعلام، على خلفية الأنباء عن الحملة المعارضة.

بداية الأسبوع، دعا المعارض ليونيد فولكوف، المقرب من أليكسي نافالني، سكان المدن الروسية الكبيرة إلى الخروج أمام بيوتهم مساء يوم 14 فبراير/شباط الحالي، وإشعال مصابيح الهواتف المحمولة، والوقوف لدقائق. وكتب السياسي: "جعل بوتين (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) الخوف سلاحه الرئيسي والوحيد. لذلك، نحن بحاجة إلى تبني ما هو أقوى من الخوف"، في إشارة إلى أن الفعالية تدعو إلى الحب، لتزامنها مع ذكرى عيد العشاق.

وأوضح فولكوف أن الكثير من المتعاطفين مع المتظاهرين لا يمكنهم الذهاب إلى المسيرات، خوفاً من الاعتقالات والغرامات والعواقب الأخرى، مشيراً إلى أن "الحملة المرتجلة السريعة ستسمح بعدم الاحتكاك" مع قوات الأمن. الأمر الذي علق عليه مجلس الدوما ووزارة الخارجية الروسية، بالقول إن منظمي الحدث يتصرفون بتوجيه من الغرب.

ومعلوم أن أنصار نافالني أعلنوا تعليق التظاهرات الاحتجاجية، بعد اعتقال أكثر من 10 آلاف من المشاركين في تظاهرات 23 و31 يناير/كانون الثاني الماضي و2 فبراير/شباط الحالي.

تُستحضر أحداث الحرب العالمية الثانية والحصار النازي للينينغراد في مهاجمة المعارضين 

من جانبها، حذرت لجنة التحقيق ووزارة الداخلية ومكتب المدعي العام، في وقت واحد تقريباً، من المسؤولية عن المشاركة في الأحداث الجماهيرية "غير المصرح بها" والدعوات إلى أعمال شغب جماعية، من دون الإشارة مباشرة إلى فعالية المصابيح.

وفي ظل لجوء المعارضة إلى أساليب مبتكرة لتنفيذ حملاتها الاحتجاجية مع تجنب قمع وترهيب الدولة، وجدت السلطات نفسها مضطرة للجوء إلى وسائل إضافية لردع المواطنين عن المشاركة. فبالإضافة إلى الترهيب بالاعتقالات والغرامات المالية، خرج المسؤولون الروس بتصريحات وتأكيدات متنوعة، تقول إن الداعين إلى الحملات المعارضة عملاء للغرب وطابور خامس ومأجورون وأعداء للبلاد.

ومن أبرز الأمثلة على "ابتكارات" السلطات، وصف نائب رئيس مجلس الدوما، بيوتر تولستوي، المشاركين المحتملين في مسيرة المصابيح بالخونة، وتشبيههم بعملاء النازيين الذين أضاءوا المشاعل أثناء حصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية. وقال تولستوي: "في الواقع، هذا ليس عملاً لطيفاً عن الحب. هذه ليست مجرد محاولة لتعبئة الشباب. هذه تقنية شارب الملونة (جين شارب أستاذ في العلوم السياسية وكاتب أميركي معروف بكتبه حول أساليب النضال اللاعنفي ضد الأنظمة الاستبدادية). وعامة، هذا تكرار لأفعال المنشقين والمتعاونين أثناء حصار لينينغراد، عندما أضاءوا أهداف الطيران الألماني بالمصابيح".

يواجه المشاركون المحتملون في فعالية اليوم اتهامات بالخيانة والعمالة للغرب

وواضح أن السلطات الروسية تحاول إقحام موضوع الحرب العالمية الثانية ومحاربة النازيين وربطه بنشاط المعارضة. وفي هذا الإطار تندرج المحاكمة الأخيرة للمعارض أليكسي نافالني، في قضية "التشهير بمحارب قديم"، لإضفاء طابع "الخائن" عليه وتشويه صورته في أذهان المواطنين. وبشأن هذه القضية، وصف تولستوي رفض نافالني الاعتذار للمحارب القديم بـ"التجديف والهجوم على تاريخنا".

وعلى نهج السياسيين الآخرين، وصف تولستوي دعوات أنصار نافالني لفرض عقوبات على روسيا واجتماعاتها مع ممثلي الدول الأجنبية بأنها "خيانة للوطن في الحرب الهجينة الجارية" ضد روسيا، مختتماً تصريحه بالقول: "يجب التوقف عن الدفاع! يجب أن نهاجم! لقد جعلنا الغزاة يقتربون منا مرتين بالفعل، ثم طاردناهم إلى باريس، وفي المرة الثانية إلى برلين. القوة في الحقيقة"، مؤكداً أن "النصر سيكون لنا".

ولم يقتصر خطاب التخوين والتعاون مع العدو على النائب البرلماني، إذ انضمت إليه المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي قالت، عبر أثير إذاعة "صدى موسكو"، إنه أُعلن عن حملة المصابيح بعد لقاء معاوني نافالني، ليونيد فولكوف وفلاديمير أشوركوف، بممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا.

أما نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، يوري شفيتكين، فقد كان لديه مبرر مختلف لمعارضته حملة المعارضة، إذ قال في مقابلة مع صحيفة "بوديوم" إنه "سيكون هناك الكثير من المصابيح، وسيكون ذلك بالطبع غير مريح بالنسبة للمقيمين في نفس الفناء والمنزل"، مشيراً إلى أن "الناس يعودون إلى المنزل من العمل متعبين، ويحتاجون إلى الراحة، وليس النظر إلى ضوء المصابيح الذي سينير نوافذهم"، غير مستبعد اتخاذ بعض القرارات الإدارية أو التشريعية العقابية، بناء على نتائج الحملة المعارضة في 14 فبراير/شباط.

المساهمون