مهرجان "كانّ" في "دورة العودة": غلبة انفعال وسطوة مُشاهدة واحتفال

مهرجان "كانّ" في "دورة العودة": غلبة انفعال وسطوة مُشاهدة واحتفال

07 يوليو 2021
سبايك لي: العودة المنتظرة إلى الـ"كروازيت" (كريستوفر بيرس/ فيرفاكس ميديا/ Getty)
+ الخط -

 

يُتوقَّع أنْ تكون الدورة الـ74 لمهرجان "كانّ" السينمائي، المُقامة واقعياً بين 6 و17 يوليو/تموز 2021، مُثيرة لانفعالٍ، يقول البعض بغلبته على أي شيء آخر، خصوصاً في الأيام القليلة الأولى. انفعال منبثقٌ من غياب العام الماضي، الحاصل بسبب تفشّي وباء كورونا؛ ومن ارتباكٍ لاحقٍ على تأجيلٍ ثم إلغاءٍ، فأيامٍ ثلاثة (27 ـ 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020) احتفاءً متواضعاً بتقليدٍ سينمائيّ في المدينة.

الدورة الجديدة مُهدّدةٌ، قبل أشهرٍ قليلة، بتأجيلٍ أو إلغاء. التأجيل واقعٌ، فالموعد السنوي (مايو/أيار) متغيّر بسبب الوباء نفسه. الإلغاء مرفوض، إذْ تكفي مرّة واحدة، فالمهرجان دولي، وانعقاد دوراته السنوية مطلبٌ مُلحّ، وتأثيره على صناعة السينما وحركة الأفلام والاشتغالات النقدية أساسيّ ومهمّ. القول بانفعالٍ طاغٍ، أقلّه في الأيام القليلة الأولى، متأتٍ من عودة مُشاركين دائمين في المهرجان إلى الـ"كروازيت"، و"قصر المهرجانات" وأروقته العديدة، وصالاتٍ متفرّقة خارج القصر، ومقاهٍ ومطاعم وملاهٍ وحفلات مختلفة، رغم أنّ هذا كلّه منوطٌ بالتزام الجميع الشروط المتعلّقة بالسلامة الصحّية العامّة. تجربة "مهرجان فينيسيا السينمائي"، في دورته الـ77 الواقعية (2 ـ 12 سبتمبر/أيلول 2020)، يُفترض بها أنْ تُلهم مهرجانات العالم، بالنسبة إلى كيفية تنظيم دورة "استثنائية"، تكون ناجحة، رغم تفشّي الوباء، وفرضه شروطاً حياتية مختلفة.

مهرجان "كانّ" يستعيد حيويته، بدءاً من 6 يوليو/تموز 2021. تأجيلٌ لمدّة شهرين لن يكون سلبياً، فالمهرجان دوليّ، وقدرته على إثارة حماسة المُشاهدة، في صالاته الكبيرة والصغيرة، عاملٌ أساسيّ في تحريض كثيرين على متابعته، وعلى انتظار دورته هذه، وإعلان برامجه وخياراته وضيوفه، في الأسابيع القليلة الماضية. الأميركي سبايك لي باقٍ في منصبه رئيساً للجنة التحكيم الدولية، بعد تعذّره عن إتمام واجبه السينمائي في دورة العام الفائت. 8 أعضاء يُشاركونه المُشاهدة والنقاش والاختيار، بينهم 5 نساء: السنغالية ماتي ديوب (ممثلة وسيناريست ومخرجة)، والأميركية ماغي غيلّينهال (ممثلة ومخرجة)، والنمساوية جيسيكا هاوسْنر (مخرجة وسيناريست). والفرنسيتان مِيلان فارْمِه (مغنية ومؤلّفة ـ ملحّنة وممثلة) ومِلاني لوران (ممثلة ومخرجة). الرجال الثلاثة هم: البرازيلي كليبير ماندوزا فيلو (مخرج وسيناريست ومهندس صوت)، والممثلان الفرنسي طاهر رحيم والكوري الجنوبي سونغ ـ كانغ ـ هو.

اللجنة تلك ستُشاهد 24 فيلماً، بينها فيلم الافتتاح "آنيت"، للفرنسي ليوس كاركس: "دراما موسيقية" في لوس أنجليس حالياً، عن ممثل مسرحي يُدعى هنري (آدم درايفر)، ومطربة مشهورة عالمياً، اسمها آنّ (ماريون كوتيار). يمتلكان شهرة كبيرة، فالأضواء مسلّطة عليهما دائماً، بفضل نجاحهما في أعمالهما. إنّهما معاً في الحياة والفنّ. ولادة أول طفلة لهما، آنيت (دوفِن ماكدُوِل) ـ الفتاة الغامضة ذات القَدَر الاستثنائي ـ تُغيّر حياتهما كلّياً، وتفتح أمامهما آفاقاً غير مُتوقّعة.

 

 

يقول كراكس: "منذ بداية عملي في السينما، وأنا أتخيّل فيلمي الثالث (1991)، "عشّاق الجسر الجديد (Les Amants Du Pont-Neuf)"، كوميديا موسيقية. المشكلة الكبيرة وأسفي الشديد يكمنان في عدم قدرتي على التأليف الموسيقيّ. كيف يحصل الاختيار، ثم العمل، مع موسيقيّ؟ هذا مُقلقٌ جداً لي. في فترة شبابي، المسرحيات الموسيقية التي شاهدتها قليلة. أتذكّر اكتشافي "شبح الجنّة" لبراين دي بالما، في الوقت نفسه تقريباً لاكتشافي "سبارْكس". في فترة لاحقة، أشاهد أفلاماً موسيقية أميركية وروسية وهندية. وطبعاً أفلام جاك دومي. النوع الموسيقي يُعطي للسينما بُعداً آخر (حرفياً تقريباً): مكان ـ زمان ـ موسيقى (أو بمعنى آخر: "موسيقى الزمكان"). هذا يجلب حرية غير عادية وهائلة" ("فرانس أنتر"، 2 يوليو/تموز 2021).

البرامج المرافقة للمسابقة الدولية تمتلك خصوصيات لها، أيضاً، تأثيرات في المشهد السينمائي. عام 1978، يبتكر جيل جاكوب (المندوب العام للمهرجان حينها) "نظرة ما"، جامعاً فيها اختيارات أخرى غير مُشاركة في تنافسٍ على الجوائز. ميزة البرنامج كامنةٌ في تشابهه بالمسابقة الرسمية الدولية: عدد أفلامٍ يقترب من ذاك الخاصّ بالمسابقة، إعلان الاختيار في الموعد نفسه لإعلان أفلام المسابقة (منتصف إبريل /نيسان)، فيلمٌ في البرنامج يتمّ اختياره لافتتاح الدورة، "إنْ يكن مقبولاً من الجمهور، ويُشارك فيه ممثلون معروفون" (تعريف البرنامج). عام 1998، يُصبح للبرنامج ـ المسابقة لجنة تحكيم خاصّة، تضم غالباً نقاداً سينمائيين، مع تنامي عدد الـ"سينيفيليين" بين أعضائها. منذ عام 1999، يُصبح للّجنة رئيس.

في دورة عام 2021، تترّأس البريطانية أندريا آرنولد (مخرجة وسيناريست) لجنةٌ مؤلّفة من الأرجنتيني دانيال بورمان (مخرج ومنتج وسيناريست)، والأميركي مايكل أنجلو كوفينو (مخرج ومنتج وممثل)، والجزائرية مونيا مدوّر (مخرجة ومنتجة وسيناريست)، والفرنسية إلزا زيلبرشتاين (ممثلة). للافتتاح، اختير "أونودا" للفرنسي آرثر هاراري: عام 1944، تدخل اليابان مرحلة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). ذات لحظة، يُصدر الرائد الغامض تانيغوتشي جندياً شاباً يُدعى هيرو أونودا إلى جزيرة في الفيليبّين، قبل هبوط الأميركيين فيها بوقتٍ قليلٍ للغاية. سريعاً، يتمكّن الجنود القلائل، الذين يهبطون في أدغالها، من اكتشاف "العقيدة المجهولة" التي ستربطهم بهذا الرجل: الحرب السرّية.

أخبار كثيرة يُمكن سردها عن المهرجان، مع بدء دورته الـ74. الأيام الأولى ستمرّ سريعاً. مع هذا، ستُبثّ أخبارٌ، وتُنشر متابعات، وتُكتب تعليقات، وتُدبّج مقالات نقدية، وتُذاع مقابلات. المهتمّون، العاجزون عن مواكبة أيام "كانّ" مباشرة، سينصرفون إلى الوكالات والمواقع الجدّية والصحف والمجلات، وسيستمعون إلى زملاء وأصدقاء قلائل، يُشاركون في الحدث.

لعلّ أكثر ما يعوّض به هؤلاء غيابهم عن المهرجان، قراءة مقالات نقدية وحاورات جدّية عن الأفلام وصانعيها والعاملين فيها، بانتظار مشاهدتها بفضل وسيلةٍ ما، في وقتٍ قريب.

المساهمون