ما سبب الدعوات الإعلامية للمصريين لأكل لحوم الحمير والكلاب؟

ما سبب الدعوات الإعلامية للمصريين لأكل لحوم الحمير والكلاب؟

15 مارس 2023
أثار ترويج تامر أمين لأكل لحم الخيول والحمير سخرية المصريين (فيسبوك)
+ الخط -

لم يفوت نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، علاء، دعوة المذيع تامر أمين للمصريين لأكل لحوم الحمير والخيول، محذراً إياه من حرمة تناول الحمير استناداً لفتوى أزهرية.

فأيّ خيال كان يمكن أن يتوقع، قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، ما آل إليه اليوم موضوع ومستوى الجدل بين صحافي كان مقرباً من سلطة مبارك ونجله حول أكل الحمير والخيول؟ أي مستقبل ينتظر البلاد إذن؟ يتساءل مغردون.

فقد بات الحصول على البروتين الحيواني معضلة تواجه معظم المصريين، مع غلاء أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، بشكل يفوق ميزانيات معظم الأسر.

وقال أمين، خلال تقديم برنامجه بإحدى الفضائيات إنّ لحم الخيول والحمير يُباع ويؤكل في دول كثيرة من العالم ومنها المتقدمة، ولحم الحصان من الأطباق الغالية جداً في باريس، و"يقال إنه صحي جداً وآمن".

وأشار إلى أنّه لا علم لديه بوجود تحريمٍ دينيٍ للمسألة.

وينقسم متابعون حول أسباب إثارة تلك الموضوعات من قبل وسائل الإعلام المصرية الآن، فهل هي تمهيد لكي يتقبل المصريون أطعمة غير مألوفة في ظل شح البروتين الحيواني وارتفاع أسعاره؟ أم هي محاولات لإلهاء المصريين بعيداً عن أزماتهم الطاحنة بالحديث حول مثل تلك الموضوعات المثيرة للجدل بطبيعتها؟

وجاءت دعوة تامر أمين لتناول لحم الحمير والخيول عقب كلام الداعية خالد الجندي في برنامجه المتلفز بأنّ الكلاب غير نجسة وأكلها حلال في بعض المذاهب، لتثير تلك الدعوات حالة من السخط بين المصريين.

واعتبر مغردون الدعوات مجرد تمهيد للرأي العام أو بالونة اختبار لقياس رد فعل الشعب تجاهها، وخاصةً أنها تأتي في ظل أزمة اقتصادية طاحنة لم تمر بمثلها مصر طوال العقود الماضية، وعجز قطاع كبير من الشعب المصري في ظلها عن تلبية احتياجاته الأساسية.

ثمّة اعتقاد سائد في عدة أوساط بأنّ هؤلاء الصحافيين لا يتحدثون من فراغ، ويذهب متابعون لمدى أبعد في تفسير دلالات هذا الخطاب، معتبرين أنّه يعكس توجهات السلطة الآن، أو مستقبلاً، خصوصاً أن تساؤل أمين عن عدم إباحة تناول لحوم الحمير والخيول تأتي بعد إلقاء السلطات القبض على جزار يبيع لحوم الحمير في مدينة المنصورة، شمال شرقي الدلتا.

 

وسجلت أسعار اللحوم الحمراء أرقاماً قياسية بتجاوزها حاجز 300 جنيه مصري (9 دولارات تقريباً)، بعد انهيار الجنيه المصري أمام الدولار.

انتقادات واسعة

ويتجاوز أمر مناقشة لحوم الخيول والحمير والكلاب مسائل الحلال والحرام، والإلهاء وإلقاء بالونة اختبار، إلى اعتبارها ـ لدى متابعين ـ دلالة على "الازدراء بحق المواطنين، وعدم الاكتراث بالبحث عن حلول لمشاكلهم، بل والاستسلام إلى أنّ الأوضاع الاقتصادية غير مرشحة للتحسن".

وضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية من هذه الدعوات، وتمحورت التغريدات حول غلاء أسعار الخيول والحمير واحتياجها لعلف غير متوافر في ظل أزمة تواجه استيراده، فيما دعا مغردون آخرون المذيع تامر أمين لتناول لحم الحمير أولاً، ليكون قدوة للجميع.

 

وعلّق المعلم الأزهري عبد الرحيم حامد بالقول إن دعوة تامر أمين لأكل لحوم الحمير وانعدام حرمته الدينية، تنطوي على جهل بالدين، فالحمير الأهلية محرمة، أمّا الوحشية فمباحة، مثل الحصان المجاز أكله، والمسألة تخضع للعرف والذائقة، وفي مصر لا يؤكل.

 

وقالت نادية عبد اللطيف إنّ الحكومة تريد من الشعب، بهذه الدعوات، تناول لحوم الحمير لسد النقص في البروتين الحيواني، وقريباً سيطالبون بأكل لحم الميتة، قبل أن يأكل الشعب الحكومة، معتبرةً أنّ أمين أعطى شرارة الانطلاق، وأنّها "دعوة ليست بعيدة عن الترويج الذي تكلم به الداعية المؤيد للسلطة خالد الجندي عن بعض النصوص التي تجيز أكل المحرمات في وقت الضرورة".

ورأى الخبير الإعلامي والناشر المصري هشام قاسم أنّه لا يعلم ما إذا كان حديث أمين ينمّ عن توجه رسمي أم أنّه سعي للتجويد بمبادرة شخصية منه، لتبرير تسلّل لحم الحمير لمائدة المصريين، طارحاً فرضية أن يكون توجهاً رسمياً أو بادرة شخصية شكلت خروجاً على النص يستوجب الاعتذار عنه، كما جرى خلال الفترة الأخيرة من اعتذار تم تقديمه لإحدى الدول، بعد تعرضها للإهانة غير المسبوقة من أحد الصحافيين الموالين للسلطة.

وأضاف: "ربما أراد أمين ومن تبعه تلطيف الأجواء بعد انتشار لحوم الحمير في أحد الأسواق بمدينة المنصورة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مصر، فضلاً عن إمكانية أن تكون هذه الدعوة تمهيدا لإدخال إحدى الشركات الكبرى لحوم الحمير والخيل للأسواق المصرية".

وأكّد قاسم في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ تغيير الذائقة الشعبية للطعام ليس سهلاً كما يتصوّر أمين، فمثل هذه الأشياء تحتاج لتحولات كبرى في حياة الشعوب، في وقت لن يستسيغ المصريون الأمر بسهولة.

وتابع: "ربما أراد أمين إضفاء المشروعية على مثل هذه الأنواع من اللحوم، وإحداث ضجة، لا سيما أن ما طرحه الصحافي يخالف القانون المصري، الذي يحصر اللحوم في أنواع معينة، ليس من بينها حتى الآن لحوم الحمير، ولكنه ربما يمهد الأجواء لتداول هذه الأنواع في المستقبل.

واعتبر قاسم أنّ ممارسات أمين، ومن تبعه، تؤكّد أنّ "القائمين على الإعلام في مصر تنقصهم الرؤية والاستراتيجية والمنهجية الواضحة، بل إنهم يديرون الإعلام بشكل شديد السوء، علي يد كتيبة من أسوأ الإعلاميين في تاريخ مصر"، لذا "يرى الجميع مثل هذا الداعية للاستبداد والقمع ولممارسات غير سوية، تعافها الأذواق العامة وتأباها نفوس غالب المصريين، وتدفعهم للابتعاد عن هذه الكتيبة السيئة من الإعلاميين".

 

قيمة الحمار الحقيقية

الصحافي المعنّي بالشأن الزراعي والبيطري جلال جادو اعتبر أنّ تلك الدعوات تسعى لشغل الناس باستعراضات إعلامية، وعلى "الرغم ممّا يمر به المصريون من أزمات إلّا أن الطبائع على فطرتها ولم تصل بعد إلى أكل الحمير علنا ولا الكلاب سراً".

على الجانب الشرعي والديني، رفض علماء في الأزهر هذا التوجه، واعتبروه مخالفاً للإجماع الديني، الذي حرم تناول الحمر الأهلية، في أغلب روايات العلماء، فيما يستند من يبيحون تناول لحوم الحمير لروايات شاذة، لا يجب التعويل عليها، بل طرحها للعلماء للعلم بها دون العامة.

وقال أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر يحيي إسماعيل: "يحرم أكل لحوم الحمير الأهلية، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، وعليه أكثر أهل العلم، أما لحم الخيل، فإن الرسول أباح تناولها، في حالات بعينها، انطلاقا من أن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

ويحرم الشرع تناول لحم الخيل الفتى أو الحصان الخيال، باعتبار أن التوسع في تناوله يضر بالمسلمين في ساحات الجهاد أما الخيول المباحة تناولها فهي الخيول التي تعرضت لمرض يخشى معه أن تبرأ منه أو أصيبت في قدمها فهذه يباح تناول لحومها.

المساهمون