غروسوفوبيا... كيف نجعل من الآخر عدوّاً؟

غروسوفوبيا... كيف نجعل من الآخر عدوّاً؟

باريس

زينب ترحيني

avatar
زينب ترحيني
صحافية لبنانية في باريس
20 اغسطس 2022
+ الخط -

القول لشخص بدين إنه ليس في صحة جيدة، وإنه يحتاج إلى الاعتناء بنفسه لكي يتفادى مشاكل القلب وأمراض السكري والضغط وضعف الرغبة الجنسية... ليس غروسوفوبيا (فوبيا البدانة أو التحيز ضدّ أصحاب الأجساد الممتلئة) ولكنها رغبة في مساعدته". هذه التغريدة لليوتيوبر الفرنسي تيبو دولابارت (Tibo InShape) لاقت الكثير من الأخذ والردّ.

الشاب الذي يُقدّم عبر وسائل التواصل الاجتماعي محتوى رياضياً متخصّصاً في رياضة كمال الأجسام أعاد عبر تغريدته جدلاً قديماً، وترك لكثير من المغرّدين مساحةً لتفريغ حمولتهم الزائدة من العدائية والتمييز تجاه أصحاب الأجسام الممتلئة. في الوقت نفسه، وكما حال كل ما يُترك من آراء عبر "تويتر"، لاقت التغريدة من اعترض طريقها، نظراً لما حملته من عدائية وتنظير تجاه فئة من الناس. فمن الذي يُعطي لأي فرد صلاحية تقديم نصيحة "طبية" لشخص آخر؟ أو حتى إعطاء رأيه بشكل عام في نمط حياة الآخرين؟ وكيف يُمكن الاستمرار بصناعة هذا الكمّ من التذنيب في حياة بعضنا بعضاً؟ ومن القائل إن الأشخاص من دون وزن زائد يعيشون حياة صحية مكتملة؟ ولماذا هذا التركيز على أصحاب الأوزان "الكبيرة"؟ ومن الذي يُحدّد ما الطبيعي من غير الطبيعي؟

تدفع هذه التغريدة إلى طرح الكثير من الأسئلة بعد، ولكنّها أيضاً تفتح الباب لنقاش التصويب والتعرّض الدائمين لأصحاب الأجساد الممتلئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحجّة "الحرص على صحتهم". يبدو الأمر مرعباً في كثافته. اعتداء دائم على الحيوات الشخصية بحجج كثيرة، وهذا لا يأتي من عبث، بل هو في جزء كبير منه نتاج صناعة إعلامية، روّجت لـ"البدانة" كفعل شخصي مُجرّد من أي مؤثرات خارجية، كما سوقت على مدار سنوات أنظمة غذائية، يُمكن لمن يُريد "جديّاً" الرجوع إليها واستعادة "السيطرة" على جسده.

صناعة كرست أفكاراً نمطية يبدو من الصعب تجاوزها، على الرغم من المحاولات المستمرّة لتصويب الخطاب. وكأنّ الوزن مرتبط فقط بإرادة الشخص حامل الوزن. مسؤولية فردية بحتة، لا أسباب صحية أو مجتمعية أو وراثية في حدوثها. هذا عدا عن الترويج والتعميم أنّ كلّ من يتجاوز أرقاماً معيّنة (الوزن) فهو حتماً غارق في التعاسة، يحتاج إلى المساعدة.

هذا شائع في البرامج التلفزيونية الإعلانات والتقارير الصحافية. وهذا ما حصل أخيراً مع الصحيفة البريطانية الأسبوعية ذي إيكونوميست التي نشرت تقريراً عنوانه "لماذا النساء أكثر بدانةً من الرجال في العالم العربي".

ولكنْ هل لهذه الأفكار النمطية تأثيرٌ على الأشخاص ذوي الأجساد الممتلئة؟ حاولت قناة راديو تلفزيون سويسرا، في أحد تقاريرها عن غروسوفوبيا (Grossophobie)، مُحاكاة دراسة لباحثين برازيليين، أخضعوا من خلالها مجموعتين من النساء الممتلئات لاختبار حول توازنهن الجسدي. أخبروا المجموعة الأولى من النساء بأنّ نجاحهنّ في الاختبار غير خاضع لأي معايير شخصية، كالنوع أو الوزن والطول. بينما أخبروا المجموعة الثانية بأنّ الاختبار يتأثر بمعايير شخصية منها الوزن، وأنّ الأشخاص بوزن زائد لديهم صعوبة أكثر من غيرهم في تجاوز الاختبار. ما حصل، هو أن النساء الممتلئات غير الخاضعات لأي أفكار مسبقة نجحنَ في تجاوز الاختبار، بينما تحكّم التوتر في أداء المجموعة الثانية لانشغالهنّ بالتفكير بوزنهنّ كعائق أمامهنّ. تأثير هذه الأفكار المسبقة لا يتوقّف عند هذا الحدّ، بل يتجاوزه إلى التعرّض والهجوم إلى فئة كبيرة ممّن يعيشون مع أجساد ممتلئة.

في نهاية يوليو/ تموز، نشرت صاحبة مدونة "البدينة غير المرئية" سيبيل بيفيون (من أصل فرنسي)، عبر صفحتها في موقع إنستغرام، عدد المرات التي تعرّضت فيها للهجوم عبر الإنترنت بسبب "بدانتها" ومحتواها ضدّ غروسوفوبيا. لا تنشر سيبيل صوراً شخصية، لكنها ترفع الصوت عالياً وتحاول الإضاءة على الرعب الذي يُلاحق النساء صاحبات الأجسام الممتلئة، سواء في الحيّز العام أو اليومي الخاص وأشكال تمظهره افتراضياً. "منذ بدأت النشر عبر إنستغرام، اقترحوا عليّ 213 مرّة الموت، منهم 98 يتمنّون لي الموت غرقاً في دهوني. 306 دعوني إلى الركض بدلاً من فتح فمي والكلام. 65 دعوة للاغتصاب، منهم 23 يُبرّرون دعوتهم هذه لمساعدتي في فقدان الوزن. رسالة واحدة تدعوني لحبس نفسي وتجويعها داخل قبو...". ترى سيبيل في هذا السلوك كرهاً ممنهجاً للنساء، وتُدين التساهل المجتمعي مع المتنمّرين. هذا الاعتداء الافتراضي ليس حالةً خاصة وليس ردة فعل على مضمون ما تنشره سيبيل أو غيرها، بل هو استمراريّة لما يجري في الحياة اليومية على مستوى العالم.

في دراسة لمنظمة العمل الدولية ومركز المدافعين عن حقوق الإنسان، في العام 2016، تبيّن أنّ الرجل صاحب الجسد الممتلئ لديه 3 مرات فرص أقل للحصول على عمل مقارنة برجل غير ممتلئ. بينما لدى النساء "البدينات" 8 مرات فرص أقل للحصول على وظيفة. لهذا يبدو أن التنبّه والتصدي لأي خطاب كاره أو تمييزي بحق أصحاب الأجساد الممتلئة أمر واجب.

تكثيف الخطاب حول البدانة، سواء في إحالة سببيّته أو حلّه، إلى مبدأ أنه محض "إرادة شخصية"، هو مساهمة يومية في التمييز ضدّ فئة كبيرة من الناس. في وثائقي لقناة إيه آر تي الفرنسية، تقول الكاتبة والصحافية الفرنسية غابرييل ديدييه (صاحبة كتاب لا نولد بدناء)، إنّها في كل مرة تذكر عدد الأشخاص الذين يُعانون من البدانة في فرنسا (10 ملايين)، تحلّ الصدمة. وغالباً ما يسألها الناس عن مكان وجودهم، فهم لا يرون هذا الرقم الكبير. جوابها بسيط: هؤلاء غير مرئيين، لا يخرجون إلى الحيّز العام لأنهم إذا خرجوا سيتعرّضون للإهانة.

ذات صلة

الصورة

منوعات

أثار كاريكاتير نشرته صحيفة الراي الكويتية، الأحد، استياء الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت، الذين انتقدوا الصحيفة بسبب الكاريكاتير الذي وصفوه بـ"المسيء" لموقف الدولة الرسمي والشعبي من دعم القضية الفلسطينية.
الصورة

منوعات

آلاف المقابر في جبانة عتيقة مترامية الأطراف في القاهرة أصبحت تحت تهديد مشروع حديث لتوسعة طرق ومد جسور لتخفيف الازدحام في القاهرة، مما تسبب في احتجاجات بين دعاة الحفاظ على التراث وعائلات الموتى المدفونين فيها.
الصورة
ماريا ريسّا (إزرا أكايان/Getty)

منوعات

أصبح الرأي العام يولي اهتماماً أكبر لمشاهير ومؤثرين وشخصيات معروفة على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالصحافيين، وفق تقرير نشره معهد رويترز لدراسات الصحافة يصدر سنوياً عن الأخبار الرقمية.
الصورة
حمية "الكيتو" ليست صحية في المطلق (Getty)

مجتمع

تعتمد حمية "كيتو" الشائعة على كربوهيدرات منخفضة ودهون عالية، وهي تؤدي في الأغلب إلى فقدان الوزن بسرعة، لكن لها آثاراً جانبية.

المساهمون