عن "عائلةٍ" لا تُشبه غيرها

عن "عائلةٍ" لا تُشبه غيرها

12 يوليو 2021
سيلفستر ستالون: نظرة أصدق من كلّ عنفٍ وتشويق (دانيال زاتشنِك/ واير إيماج)
+ الخط -

 

النزاعات الحاصلة في كواليس صناعة السينما لن تُغيِّب عناوين عامّة، تُصبح مشتركاً بين أكثر من فيلمٍ. بمناسبة إطلاق عرضٍ دولي للحلقة الـ9 من سلسلة "سريع وغاضب" (2021) لجاستن لين، في الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/ تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي ("العربي الجديد"، 9 يوليو/ تموز 2021)، يُستعاد مفهوم العائلة في عصابةٍ، تحترف السرعة في قيادة السيارات، وتُشارك في سباقاتٍ غير شرعية، وتتورّط في أعمال تهريب ومطاردات، وتتعاون مع محقّقين ورجال أمن واستخبارات، وتجوب بلداناً ودروباً، تُحوّل بعضها إلى حلبة سباقٍ يبدو غير منتهٍ.

العصب العائليّ أساسيّ فيها. هذا يحضر، وإنْ بشكلين مختلفين، في سلسلتي "روكي" و"المستهلَكون (The Expendables)"، لسيلفستر ستالون، تفكيراً وكتابة وإخراجاً وتمثيلاً وإنتاجاً، وهذه وظائف يشتغلها في هذا الفيلم أو ذاك من أفلامهما. في السلسلة الأولى، يُبدي ستالون شغفاً كبيراً بتأسيس عائلةٍ، مع أصدقاء ثم زوجة وابنٍ، يؤدّي دوره الابن الحقيقيّ لستالون، سايج، الذي يُتوفى باكراً (1976 ـ 2012) لإصابته بتصلّبٍ في الشرايين التاجية. في السلسلة الثانية، يجمع أكبر عددٍ ممكن من زملاء المهنة، ذوي العضلات المفتولة، والأدوار المشوّقة، والمطاردات الكثيرة، وبعضهم يمارس فنوناً قتالية، والسلاح بين أيديهم وافرٌ، والقتلى بمئات الآلاف، والقضايا الإنسانية ترتكز على إنقاذ الضعفاء والضحايا من براثن وحوشٍ فتّاكة، ترتدي زيّاً بشرياً. معهم، يحاول أنْ يصنع عائلةً مكوّنة من زملاء مهنة وأصدقاء.

هناك ميلٌ أكبر وأعمق وأجمل إلى "روكي" من "رامبو"، لستالون نفسه. الملاكم يمتلك قلباً طيباً، ومع مسار الحلقات، يزداد نضجاً وهدوءاً، باحثاً عن سكينةٍ داخلية، أولاً بعد وفاة مدرّبه وصديقه الحميم ميكي (بورغس ميريديث)، ثم زوجته أدريان (تاليا شير)، ولاحقاً ابنه في السلسلة والحياة. يكترث بابن منافسه ثم صديقه أبولو كريد (كارل واثرز)، أدونيس جونسن كريد (مايكل بي. جوردان)، كأنّه ابن له. لقطات عدّة (أبرزها جلوسه أمام قبر أدريان، للتحدّث معها، أو للتعبير عن شوقه إليها) تعكس ما فيه من إحساسٍ بضيقٍ ورغبةٍ في خلاصٍ من عالمٍ، يمنحه شهرةً وحضوراً شعبيين، ويُصبح ثقيلاً عليه مع التقدّم في العمر.

 

 

هذا غير حاصل في "رامبو". الجندي، الأقوى من جيشٍ بكامله، ينتصر على أعدائه، قبل انسحابه من أميركا إلى بلادٍ بعيدة. نظرته يُراد لها أنْ تمتلئ حبّاً وعاطفة، لكن وحش القتل والعنف أقوى وأكثر سطوة. رامبو يُشبه بارني راس (ستالون)، بطل أبطال "المستهلَكون". ملاحقة أشرار العالم تحجب ادّعاءً بالتزام أخلاقيّ إزاء أخياره. البطش والديكتاتوريات وتجارة المخدرات والقتل والتسلّط على الناس أقوى من كلّ حسٍّ إنسانيّ، تتصنّع سلسلتي "رامبو" و"المستهلَكون" في ابتكاره لمواجهة خرابٍ وتسلّط.

رغم وفرة العنف والمطاردات، وبعضها غير معقول أنْ يحدث إطلاقاً (على غرار أفعال جيمس بوند)، يتمكّن "سريع وغاضب" من إضفاء تلك اللمسة الجميلة لمفهوم العائلة. لمسة تبلغ ذروتها مع وفاة بول واكر، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، في حادث سيرٍ، عند تصويره الحلقة الـ7. العلاقة باقية خارج السلسلة. فن ديزل يعاني حزناً يكاد يبلغ حدّ الاكتئاب، وميشيل رودريغز تعجز، فترة طويلة، عن تصديق رحيله. في الأفلام الـ6 الأولى، تتوطّد العلاقة بين صداقة وحبّ وزواج، وتبقى العائلة ركيزة كلّ سلوكٍ لأفراد عصابة، تمتلك كلّ ما يُناقض الصورة التقليدية للعصابات.

لكنّ عائلة كهذه تبدو كأنّها ذاهبةٌ إلى غيابها. فأفرادها يكبرون سنّاً، والتبدّلات فيها عديدة ودائمة، والتشابه والتكرار، في لقطات وعناوين عامّة على الأقل، يتكاثران. لعلّ نظرة روكي، بعينيه المثقلتين بتعبٍ وخبرات وتحدّيات وأعمارٍ، تبقى الأجمل في مواجهتها شيخوخة عمرٍ وحياةٍ وحكاياتٍ.

المساهمون