صبا مبارك منتجة وممثلة: رداءة اشتغال وادّعاء انفعال وتصنّع حالة

صبا مبارك منتجة وممثلة: رداءة اشتغال وادّعاء انفعال وتصنّع حالة

23 سبتمبر 2022
صبا مبارك: غياب الحِرفية المهنية في التمثيل والإنتاج (فيسبوك)
+ الخط -

حضور الأردنية صبا مبارك في أكثر من فيلمٍ سينمائيّ عربيّ، أقلّه في الأعوام القليلة الفائتة، يُثير سؤالاً نقدياً، يتناول معنى وجودها الفني في مهنتين غير فالحة فيهما. حضورها مُوزّع على مهنتي التمثيل والإنتاج، ما يُزيد واقعية السؤال، إذْ تظهر مبارك، المُنتجة والممثلة معاً، كأنّها تتنافس مع نفسها للتفوّق في رداءة الاشتغال. حضورٌ متأتٍ من سطوةٍ ما لها في صناعة الفيلم العربي، منبثقة (السطوة) من علاقات عامّة في الفنّ، ومن اشتغالها في الإنتاج. وهذا الأخير كفيلٌ بفرض مُشاركةٍ لها في مشروعٍ، تراه مناسباً لها، كمنتجة وممثلة في آنٍ واحد.

وجود منتجين/منتجات سينمائيين، خاصة في دول عربية تجهد في تطوير بناها السينمائية واشتغالاتها الفيلمية، مسألة ضرورية ومطلوبة. مهنةٌ غير سهلةٍ البتّة، في عالمٍ عربيّ محاصر برقابات وأنماطٍ مفروضة على صناعة السينما، وبعجز فادح في توزيع أفلامٍ عربية في السوق العربية، وانفضاض الجمهور العربي، بغالبيته، عن أفلامٍ عربية غير "محلية"، إجمالاً، وغير تجارية ـ استهلاكية، غالباً. في عالمٍ عربيّ يشهد إنتاجات مهمّة، لكنّ غير المهم ينافسها في عروضٍ تجارية مختلفة. هذا كلّه غير كافٍ لـ"إنتاج" منتجين/منتجات "كيفما يكن"، بعضهم يرى في المهنة أداة تسلّط لفرض الذات على مشروع وصانعيه، وهذا أسوأ ما في مهنة الإنتاج.

يُضاف إلى ذلك مأزق غياب الحِرفيّة المهنيّة، إنتاجاً وتمثيلاً. فإحدى كوارث السينما العربية كامنةٌ في تدنّي مستوى التمثيل، وغياب رؤية إنتاجية واضحة (في مقابل استثناءات مشهودٍ لها بصناعةٍ سينمائية مهمّة، شكلاً ومضموناً)، تتجاوز مجرّد الرغبة في تمويل مشروع للتمثيل فيه. رداءة تمثيل مبارك تشوّه فيلماً، يبحث في مسألة مهمّة، أو يروي حكاية جميلة رغم مصائبها، أو يلتقط نبض عيشٍ وحالةٍ وانفعالٍ. رداءة مكشوفةٌ سريعاً، خاصةً مع متابعةٍ، تفرضها مهنة النقد، لتبيان مسارٍ يُفترض به أنْ يشهد تطوراً في المهنة، وبلورةً ثقافية واجتماعية ونفسية لكلّ شخصية يُراد تأديتها في فيلمٍ، يسعى مخرجه/مخرجته إلى قراءة واقع، أو معاينة مسألة، أو البحث في ذاكرةٍ لتوثيقها سينمائياً، عبر لغة الخيال المستمدّة حكاياته من تاريخٍ وحقائق. هذا من دون التغاضي عن تدنّي مستويات سينمائية مختلفة في فيلمٍ أو في آخر.

لصبا مبارك محاولات سينمائية قليلة، تنكشف فيها مسألة الرداءة في التمثيل أساساً، في مقابل مشاركةٍ ما في الإنتاج، تبدو كأنّها وسيلةٌ لفرض الممثلة فيها على المشروع. رداءة تظهر في تشنّج مُخيف لملامح وحركةٍ ونطقٍ وانفعالٍ، وفي الانفعال مبالغةٌ، أحياناً كثيرة. قسوة في الوجه غير متلائمة وكيفية مواجهة الشخصية السينمائية لعنفٍ يُحيط بها، ويُمارَس عليها، في منزلٍ واجتماعٍ وبيئات. قسوة تحول دون تمكّن من مشاهدة سليمة، لشدّة ما فيها من تصنّع في كشف انفعالٍ، كالتوتر والعصبيّة والتمرّد والمواجهة والخوف والعزلة والتقوقع والمصارحة. قسوة تدّعي غلياناً داخلياً، بينما الغليان الداخلي، وفقاً لتلك الملامح، يُصبح مجرّد صراخٍ، تظنّ صبا مبارك أنّه فعلٌ إبداعيّ.

والصراخ، مع صبا مبارك تحديداً، غير نافعٍ، بل مزعج وحادّ، لشدّة ما فيه من تصنّع أدائيّ، لشخصيةٍ تعيش خراباً ذاتياً في زواجٍ مفروضٍ عليها، قبل أنْ تبلغ لحظةً انقلابيّة (مُتوقّعة بحسب السياق الدرامي) على زوجٍ، يكتفي بتهديدٍ كلاميّ أمام امرأته المنقّبة، بعد أعوامٍ من كبحها والتسلّط عليها وتعذيبها، نفسياً أولاً. فآمال (مبارك)، إحدى "بنات عبد الرحمن" (2021) للأردني زيد أبو حمدان، تريد خروجاً أخيراً من الحَجْر المفروض عليها، ومن تاريخٍ مُثقل بارتباكٍ عميق في العلاقة بالوالدين، ومن راهنٍ يُجدِّد ماضياً تنبذه من دون قدرة على مواجهته سابقاً، فتجد في إرغام ابنتها هبى (ياسمين العبد)، ذات الأعوام الـ15، على زواجٍ بالقوّة، لحظة انتقامية لنفسها وسيرتها وعيشها، بعد نوعٍ من مصالحةٍ مع شقيقاتها الـ3، زينب (فرح بسيسو) وسماح (حنان حلو) وختام (مريم باشا)، ولكلّ شقيقة حكايةٌ مليئة بوقائع اجتماعية ونفسية وانفعالية، معروفة في اجتماع أردني يزداد انغلاقاً وتشدّداً، وفي امتدادٍ عربيّ شبيهٍ به.

رغم أنّ النصّ الدرامي لـ"بنات عبد الرحمن" ـ المعروض مساء اليوم الجمعة، في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة للدورة الـ8 (22 ـ 29 سبتمبر/أيلول 2022) لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" (لبنان) ـ واقعيّ ومباشر وحقيقيّ، لمعاينته حالة اجتماعية أردنية عربية معروفة، تُصرّ صبا مبارك (المنتجة المنفّذة أيضاً) على المبالغة في تفعيل رداءة تمثيل شخصية، تظهر ركناً أساسياً في التمرّد النسائي على بيئة خانقة، وعادات قاتلة، وقواعد عيش تنبذ المرأة وتُعنّفها، كلامياً ونفسياً أساساً، من دون تناسي التعنيف الجسدي أيضاً، غير الظاهر في الفيلم. مبالغة مبارك في تأدية شخصية درامية، مهمّة جداً، حاجزٌ أمام متابعة هادئة لسيرةٍ، فيها مفاصل عدّة تتيح توقَّعاتٍ، تحصل بعد حين.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

الرداءة والمبالغة في تأدية دورٍ، والشخصية تمتلك مقوّماتٍ درامية وإنسانية واجتماعية مهمّة غالباً، ماثِلتان في أفلامٍ أخرى، لصبا مبارك مشاركةٌ فيها، تمثيلاً وإنتاجاً، أو تمثيلاً من دون إنتاج، وهذا نادرٌ في الآونة الأخيرة. مثلٌ أول: "أميرة" (2021) للمصري محمد دياب ("العربي الجديد"، 29 ديسمبر/كانون الأول 2021). للفيلم أهميةٌ أكبر من اتّهامه بإهانة معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. الابنة أميرة (تارا عبّود) تتوه بين أمٍّ (مبارك) وأبٍ (علي سليمان)، بعد اكتشافها أنّ السائل المنوي المهرّب من السجن إلى أمّها كان لجندي إسرائيلي. مبارك تؤكّد ـ في أدائها دور الأم الضائعة، بدورها، بين اجتماع وأهل وقيادات وبيئة ومشاعر وخيبات ـ أنْ لا حِرفية مهنيّة، ولا جديد يُجدِّد في تقديم شخصية امرأة وأمٍ، في مجتمع مُحافظ ومُحتَلّ. مثلٌ ثانٍ: في "مسافر حلب إسطنبول" (2017)، للتركية أنداش هازيندار أوغلو ("العربي الجديد"، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2018)، إمعانٌ في تشويه التمثيل، حِرفة ومهنيّة وثقافة واشتغالاتٍ، تتعلّق بالنفس والجسد والانفعالات والمجتمع والذاكرة والحرب والهجرة والأمومة. إمعانٌ يزداد حدّة إزاء أداء رائع للصبيّة الصغيرة روان سكاف، العفوية والصادقة والشفّافة والمؤثّرة، في تأديتها دور لينا، الهاربة من القصف الوحشي لحلب، إلى مدينة يُفترض بها أنْ تكون آمنة لها (إسطنبول)، مع كلّ ما يُمكن أنْ تحمله صبيّة مثلها، من خوف واضطراب ويُتمٍ وعزلة، ومن رغبة في حياة وعلاقات وأخوّة وأهل وخلاصٍ.

استعادة أفلامٍ أخرى لصبا مبارك، كـ"بنتين من مصر" (2010) للمصري محمد أمين، و"مدن الترانزيت" (2010) للتونسي محمد الحشكي، و"مملكة النمل" (2012) للتونسي شوقي الماجري (زوجها)، لن تُضيف شيئاً أو تقول مغايراً. "مملكة النمل" مثلاً، الذي يروي تفاصيل من السيرة اليومية للفلسطينيّ/الفلسطينية في الاحتلال والمواجهة، غير ممتلكٍ حدّاً أدنى من سوية سينمائية مقبولة. كأنّ فلسطين، كالحرب الأسدية على سورية والسوريين/السوريات، مجرّد عنوانٍ يُمكن مقاربته سينمائياً (وهذا مشكوكٌ جداً فيه)، لسببٍ "أخلاقي" (بل يدّعي الأخلاقيّ ـ الإنساني في مُقاربة سينمائية فاشلة)، يتصنّع اهتماماً ومواكبة وتوثيقاً.

"بنات عبد الرحمن" قابلٌ لنقاشٍ يجمع السينمائي بالاجتماعي، والفني بالبصري. لكنّ أداء صبا مبارك فيه حاجزٌ أمام أولوية النقاش النقدي، لما في تمثيلها من وهنٍ وعدم حِرفيّة.

المساهمون