أتصلح كتابةٌ نقدية سينمائية في لحظة الالتباسات؟

أتصلح كتابةٌ نقدية سينمائية في لحظة الالتباسات؟

23 مايو 2022
دمار يقول إنّ لبنان ليس بخير رغم فرحة الانتفاضة (مروان طحطح/Getty)
+ الخط -

 

يشعر الناقد، أحياناً، بصعوبة أيّ كتابة نقدية في أيّ شأنٍ سينمائيّ، إنْ تحصل في حيّزه الجغرافي تبدّلات ملتبسة، في العامّ من حياته اليومية. تبدّلات تنبثق من انتخاباتٍ نيابية، في مرحلةٍ تكشف، يوماً تلو آخر، عن كونها أسوأ مرحلة في تاريخ بلدٍ، وسيرة شعب. يريد الناقد قولاً في شأنٍ عام، فيعثر في السينما على ما يُبعده، ولو قليلاً، من إبداء رأي في شأنٍ عام، والشأن العام هذا ملتصقٌ بشأنه الخاص، فهو مُقيم في الحيّز الجغرافي نفسه (بيروت)، وكلّ حالة أو موقف أو تحرّك أو قول يؤثّر به، سلباً أو إيجاباً.

اللجوء إلى السينما هروبٌ، لكنّ الهروب مترافقٌ والتزامٍ، ثقافي وفكري وتأمّلي، بأولوية السينما، التي تليها مباشرة متطلّبات المهنة. هروبٌ لن يحول دون تنبّه إلى أنّ السينما والمهنة يتبوّآن معاً مرتبة أولى، ولهموم الحيّز الجغرافي، في الشؤون كلّها، مرتبة أولى أيضاً. الاختناق، المنبثق من همجية الانقضاض الوحشيّ على "انتفاضة 17 أكتوبر" (2019) اللبنانية تحديداً، يُربك الالتزام بالمهنة، بعد شغف السينما، باضطرابات قاسية، وتساؤلات معلّقة. نتيجةُ الحاصل في 15 مايو/أيار 2022 (الانتخابات النيابية)، دافعٌ إلى ارتباك وقلق، لأنّ فوز مناهضين لسلطة النهب والفساد والقمع والتشبيح والقتل، وأفعال السلطة مصنوعةٌ بوقاحةٍ وعجرفةٍ غير مسبوقتين، يمنح الناقد فرحةً، يُعطّلها قولٌ من هنا، وسلوكٌ من هناك، إذْ يتعرّض الانتفاض على تلك السلطة لاتهامٍ وتخوين مُرْفَقين بتهديد ووعيد لكلّ منتفضٍ.

 

 

يتساءل الناقد عن مغزى الكتابة النقدية، وأهدافها وهواجسها ومبناها، في لحظةٍ مُربِكة كهذه: ضربةٌ موفّقة، وإنْ بشكلٍ أقلّ من المطلوب، لسلطةٍ مستمرّة في النهب والفساد والقمع والتشبيح والقتل، وفي التهديد والترهيب والتخوين، تتمثّل (الضربة الموفّقة) باختراقٍ انتخابيّ، يوصل أناساً، يريدون تغييراً فعلياً وإصلاحاً نافعاً، إلى المجلس النيابي؛ في مقابل إشاراتٍ، لعلّها غير صحيحة كلّياً، تقول إنّ "موسم" التسويات مفتوحٌ منذ اللحظة التالية لإعلان نتائج تلك الانتخابات.

في حالةٍ كتلك، يتساءل الناقد: أيجوز الاستمرار في كتابةٍ نقدية في شؤون سينمائية بحتة، رغم أنّ شؤوناً كهذه منفتحة على السياسي والثقافي والاجتماعي والنفسي والسلوكي والتربوي والعملي والفكري، في لحظةٍ مهمّة، رغم التباسات اللاحق المباشر لها؟ أم يُفترض بالناقد أنْ يمنح الراهن، غير السينمائي، اهتماماً يتمثّل بمعاينة ومتابعة ونقاشٍ، وبطرح أسئلةٍ تتعلّق بمصاعب وأعطاب وانشغالاتٍ، تمسّ مفردات العيش اليومي وحاجاته الأساسية، على الأقلّ؟

الانهيار اللبناني قاتلٌ، وإصابات القتل متنوّعة، فالاهتزاز الانتخابي لسلطة النهب والفساد والقمع والتشبيح والقتل يؤدّي بالمُصابين به من جماعة السلطة إلى إطلاق تهديد وترهيب وتخوين. الناس مُصابون به أيضاً، لكنّ إصاباتهم مختلفة، إذْ تنعكسُ في صمتٍ عن المنهبة والاحتراق، أو في قناعة بـ"الشخص". منهم من يُصاب، لاقترافه "إثم" التغيير وإنجاحه، وإنْ بتواضعٍ. إصابة هؤلاء تُثير قلقاً، لفعلتهم (الاهتزاز الانتخابي) في الحياة اللبنانية، ما يضع "مرتكبيها" في دائرة الخطر.

أمّا السينما، فباقيةٌ كالتزامٍ ومهنة، وكفسحةٍ حقيقية لتنفّس مطلوبٍ.

المساهمون