دمى عربية على الشاشة... روايات بلسان عبري

دمى عربية على الشاشة... روايات بلسان عبري

16 يناير 2024
في رفح (فرانس برس)
+ الخط -

توجد مجموعة من الثوابت في خطاب الإعلام العبري تجاه ما حصل ويحصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. هذه الثوابت تتخلل النقاشات والتحليلات، أبرزها مدى "فظاعة ووحشية" عملية طوفان الأقصى، وإدانة أي فعل مقاوم أو أي شكل من أشكال النضال، ووجوب اغتيال قادة المقاومة العسكريين والسياسيين، و"نحن لا نقتل المدنيين أو الأبرياء، وإنما فقط من له علاقة بالمقاومة"، إضافة إلى دعم تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء.
قد تبدو تلك الادعاءات والثوابت مفهومة في سياقها الذي تُطرح فيه، أي سياق الاحتلال، عدو الفلسطينيين وقاتل الغزيين، لكن من غير المفهوم أن تطرح تلك الثوابت في سياقات وبرامج عربية، يفترض أنها ليست تابعة للاحتلال، وأنها في صف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
امتلأت شاشات تلفزيون عربية ببرامج التوك الشو، بمقدميها من الإعلاميين المعروفين الذين يرددون إدانات الاحتلال ذاتها للمقاومة، ويكررون حجج محللي القنوات العبرية حول أهمية تهجير سكان غزة "للتخلص من المقاومة". كما انتشرت مقاطع الفيديو لمن يدعون أنفسهم "مؤثرين" على مواقع التواصل الاجتماعي، يسوقون فيها روايات الاحتلال ذاتها عما يجري في غزة، أو يعبرون فيها عن تصديقهم لقصة لفقها الاحتلال وألصقها بالمقاومين، مثل "قطع الرؤوس واغتصاب النساء" التي بينت كذبها صحف الاحتلال نفسها.
ليس هذا سوى ارتهان شخصيات عربية لسرديات الاحتلال، لا فائدة مرجوة منه لا مرحلياً ولا استراتيجياً. ارتهان مجاني، وببغائية لم يطلبها إعلام الاحتلال، وربما لا يعلم بوجودها. وفي بعض الأحيان، ويصل الأمر عند بعضهم ليغدو تكراراً لما يصدر عن الإعلام العبري أو الغربي، وإطلاق تصريحات وتعليقات مسيئة بحق الإنسان الغزي، مُنكرة عليه حقه في الحماية من القصف، وحقه في الدفاع عن نفسه والعيش بسلام.
في كل مرة يخرج فيها المصري إبراهيم عيسى في برنامجه، يذكرنا بأن ما حصل في 7 أكتوبر هو "عملية إرهابية"، ويسخر من نتائج العملية؛ إذ إنها في نظره لم تحقق أي شيء، ويعلق بالسوء على المقاومين، ويرى أن مواجهة الاحتلال بالسلاح مستحيلة و"غباء". وقال إنه ليس مسؤولاً عما يحصل مع الغزيين وتعاطفه معهم لن يقدم لهم الحل، وإن المواطن العربي لا حول له ولا قوة، وإن لا دور للحكومات العربية في منع ما يحصل، وليس من مسؤوليتها، بل من مسؤولية المقاومة على حد تعبيره.
وفي رأيه، فإن المقاومة هي التي يجب أن تؤمن لهم الحماية والملاجئ والطعام والشراب والدواء، ويجب ألا ينتظر من الجانب المصري فتح معبر رفح، أو أن يكون للجانب المصري أي مسؤولية تجاه فلسطينيي غزة. هذا متوقع من عيسى الذي يرى أن ما يجري "حرب بين إسرائيل وحماس"، وليس إبادة جماعية يرتكبها جيش الاحتلال.
هناك كثير من الشخصيات الإعلامية التي تشبه إبراهيم عيسى في خطابها، ولها برنامجها الخاص، مثل عمرو أديب ونشأت الديهي وأحمد موسى وغيرهم. لكن ما يميز عيسى هو تطرفه وأسلوب الولولة الذي يتبعه في التعبير عن رأيه، بما فيه من شتم وصراخ، إذ لا تحليل ولا معلومات في حديثه يمكن الاستفادة منها لتأييدها أو رفضها. كل ما نعرفه خلال برنامجه أنه غاضب وحانق، لكن ليس بسبب ما يحدث لسكان غزة من قتل وتهجير وحصار، وإنما بسبب عدم رؤيتنا للموضوع كما يراه هو.
لم تكتف الشخصيات الإعلامية على التلفاز، و"المؤثرون" على مواقع التواصل الاجتماعي، بتبني مزاعم الاحتلال وترديد تحليلاته، بل ذهبت شخصيات عربية إلى التنديد بحملات المقاطعة للشركات التي تدعم الاحتلال، وحجتهم أنها غير نافعة ولن توقف العدوان على غزة، وذلك على الرغم من اعتراف عدد من الشركات بتأثرها بتلك الحملات وتعرضها لخسائر مادية. وفي بعض الأوقات، كان يتم التنديد بكل من يطالب بإيقاف المواسم الاحتفالية أو حتى تأجيلها لحين انتهاء إبادة الاحتلال لفلسطينيي غزة؛ إذ تعرض الفنان المصري محمد سلام لهجوم ونقد في مصر والسعودية بسبب موقفه من موسم الرياض واعتذاره عن المشاركة.

لم يكن ينقص الغزيّ في مأساته المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر إلا "جاراً" عربياً يزاود عليه في أشد لحظاته ضعفاً وظلماً، ويصادر له رأيه في تقرير ما يريد أن يفعله مع الاحتلال، ويستنكر عليه أنه يطالب العالم بمساندته لوقف المجازر والجرائم، وكأن هذا "الجار" مثل "الدمية" المحشوة بآراء وأفكار الاحتلال، ولأنها تتحدث العربية وتستعرض حشوها على شاشات عربية تحسب نفسها تتحرك وتقول ما تريد.

المساهمون