حكواتي: اعتراف خطير عن نزار قباني ومحمود درويش

حكواتي: اعتراف خطير عن نزار قباني ومحمود درويش

27 يونيو 2014
تصوير: ماركو سكاربارو / GETTY
+ الخط -
هي المرّة الأولى التي أمتلك الجرأة لأقول إنّني لم أتربّ على أشعار محمود درويش وأنّني تربّيت على عشق شعر نزار قباني. ويمكن لهيك تعلّمت أنّ الوطن من غير حبّ ما بينداس. وهالحكي ع قولة إمّي، بعد التعديل، "الجنّة من غير ناس ما بتنداس". مع أنّني ترعرعت في حيفا وعشت طفولتي في ظلّ وجود درويش في حيفا (ما كان مهماً وقتها مثل اليوم). ومع إّني كنت أراه تقريبا يوميا في مطعم "الأمم" بأوّل طلعة شارع الجبل، لما كانت ابنة خالي تبعثني لأنادي زوجها الذي كان من ندماء شلّة إميل حبيبي ومن دار حوله.
المهم ليش نزار قباني ومش درويش؟ هذا لأنّ والدي/ رغم تزمّته، في تربيتنا خصوصا، نحن البنات، كان من أكثر المعجبين بشعر نزار قباني، وكان ما يصدق أن يصل ديوان من دواوينه ليشتريه فورا ويحفظ عن ظهر قلب أشعارا عدّة منه، ليردّدها في صباحاته المعتدلة المزاج  وهو يحلق ذقنه بالموس. أما في الصباحات الأخرى فكان يردّد مقاطع طويلة من المعلّقات بصوت جهوري يسمعه القاصي والداني.
وأنا كوني ابنة أبي، حكواتية مثله، أعشق اللغة تقريبا مثله، رغم أنّنا لم نتفق يوما، (إلا لمّا أصيب بالألزهايمر وصار يعتبرني مثل أمّه) رحت أحفظ مثله الأشعار. لكن بسبب المراقبة الذاتية العالية عندي، التي طوّرتها بسبب كم بهدلة من والدي، خصوصا لمّا سمعني أغنّي (طالعة من بيت أبوها ورايحة لبيت الجيران) ابتعدت عن أشعار الغرام والعشق وحفظت، أوّل ما حفظت، شعر "جميلة بو حيرد". وحتّى هذه الأيام أردّده من دون أيّ خطأ، كأنّني حفظته بالأمس.
رافقتني أشعار نزار في طفولتي وشبابي. قرأت خيبته/نا من العرب عند نكسة 67 وفجيعته/نا باجتياح بيروت وفقدانه بلقيس زوجته (افتقدت شعره لمّا سقطت بغداد )، إلى جانب حفظي سرّا أشعاره في الغرام وترديدي أشعاره التي تحوّلت إلى أغنيات مثل "لا تسألوني" لفيروز، وأغنية نجاة الصغيرة "أيظنّ".
عندما مات أبي العلماني وأرادت أمي أن تضع  كلاما دينيا على شاهد قبره، اعترضت وأقنعت أمي بعد طول جدال أن نضع اقتباسا من قصيدة نزار "أمات أبي". ووافقت مرغمة وعرفت أنا أنّ أبي سيكون سعيدا بهذا الاختيار.
في المرات النادرة التي أزور قبر أبي أقرأ ما كُتِبَ على الشاهد وأعِدُ نفسي أن أُحضر في الزيارة التالية أحد دواوين نزار لأقرأه كاملا، علّ أبي يسمعني هناك، أينما يوجد الآباء الراحلون.
بالطبع كبرتُ مثلما كلّنا "منكبر" وصرت أخفي إعجابي بشعر نزار، ربما لأنّه ما عاد "على الموضة" أن نكون معجبين بنزار. وبالطبع تعرّفت أكثر على شعر درويش وأحببته جدا. لكن  بعد موت درويش صار عندي  مشكلة مع تعاملنا نحن كفلسطينيين مع ذكرى درويش. وهذا موضوع لحكاية أخرى.

المساهمون