حرب الإبادة: كيف أربكت غزة الفنانين والمعارض؟

حرب الإبادة: كيف أربكت غزة الفنانين والمعارض؟

24 مارس 2024
غرافيتي تضامني مع غزة في كينيا، مارس 2024 (جيرالد أندرسون/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في عام يتميز بإجراء انتخابات في أكثر من 70 دولة، تبرز أهمية الديمقراطية وحرية التعبير، لكن الأحداث الجارية مثل العدوان الإسرائيلي على غزة تلقي بظلال من الشك على احترام هذه الحريات، خصوصًا في مجال الفنون.
- أقل من 8% من سكان العالم يعيشون في "ديمقراطية كاملة"، والحروب الثقافية والتوجه نحو الاستبداد يهددان حرية التعبير، كما يظهر من إلغاء معرض آي ويوي في لندن بسبب تعليقاته السياسية.
- الفنون البصرية تأثرت بشكل كبير بالسياسة العالمية، مع إلغاء معارض وإزالة أعمال فنية تضامنًا مع الفلسطينيين وتجنب عرض أعمال تتعلق بقانون الأمن القومي في هونغ كونغ، مما يعكس التحديات التي تواجه الفنانين في التعبير عن القضايا السياسية.

يشهد العالم في هذا العام انتخابات رئاسية أو تشريعية في أكثر من 70 دولة، أبرزها في الولايات المتحدة وبريطانيا. وإن كانت الانتخابات بمفهومها العام تأكيداً على الديمقراطية، وما يتبعها من حرية تعبير، فإن السياق الحالي للعداون الإسرائيلي على قطاع غزة والحروب الثقافية التي عرفها الغرب منذ بدء العدوان يطرح أسئلة كثيرة مرتبطة بحرية التعبير، خصوصاً في مجالات الفنون، التي تأثرت مباشرة بالعدوان.
منذ الحرب العالمية الثانية، اعترف العالم بحرية التعبير على اعتبارها أساسية لأي ديمقراطية تعمل بكامل طاقتها. ولكن وفقاً لأحدث مؤشر للديمقراطية الصادر عن مجلة ذي إيكونوميست الأميركية، فإن أقل من 8% من سكان العالم يعيشون في "ديمقراطية كاملة"، أي مجتمع "لا تُحترم فيه الحريات المدنية والحريات السياسية الأساسية فحسب، بل تُعزَّز أيضاً بثقافة سياسية تفضي إلى الديمقراطية".
لكن مع ظهور الحروب الثقافية في السنتين الأخيرتين داخل الديمقراطيات الغربية، إثر الحرب الروسية على أوكرانيا ثمّ حرب الإبادة في غزة، تزايد عدد الحكومات المنتخبة التي تميل نحو الاستبداد، ما جعل حرية التعبير تتعرض بشكل متزايد للتهديد العلني والخاص، حتى في مجال الفنون البصرية، بحسب ما يقول موقع The Art Newspaper.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على سبيل المثال، أعلن الفنان الصيني المعاصر آي ويوي عن إلغاء معرضه الجديد في لندن بعد نشر تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد العدوان الإسرائيلي على غزة.
وآي ويوي فنان معاصر ومخرج وثائقي وناشط اكتسب شهرة عالمية، لانتقاده العلني موقف الحكومة الصينية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وكان من المقرر افتتاح معرض الفنان في نوفمبر في دار العروض ليسون في لندن، لكنه أُلغي بمبرّر أنه "لا يوجد مكان للنقاش الذي يمكن وصفه بأنه معادٍ للسامية أو معادٍ للإسلام" بحسب تعبير المعرض كما نقلته "بي بي سي".
من جهته، حدّث مجلس الفنون في إنكلترا (ACE) أخيراً سياساته، محذرًا أولئك المرتبطين بالمنظمات الفنية التي يمولها من أن "النشاط الذي يمكن اعتباره سياسيًا بشكل علني - حتى لو أقيم بصفة شخصية - يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بسمعة المجلس". وسريعاً، اعترض عشرات الفنانين على هذا التحديث، ما دفع ACE إلى إصدار بيان يزعم أنه "لا يعني بأي حال من الأحوال الحد من التعبير الفني".
عالم الفنون البصرية متنوع للغاية بفنانيه وأفكاره، وحتى مراكز وصالات عرضه. لكن يبدو أن الوضع الحالي في العالم، بعد الانقسام الذي أحدثته حرب الإبادة في غزة وأمام وحشية المشاهد التي يراها العالم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جعل المؤسسات الفنية تتخوف من عرض أعمال لفنانين يتعاملون بشكل مباشر مع هذا الواقع الفلسطيني، أو أي واقع سياسي آخر قد يساهم ضد وتيرة الحروب الثقافية، التي بات إخفاؤها مستحيلا.

في هونغ كونغ

من المؤكد مثلاً أن المجموعة الدولية المكونة من 243 تاجرًا ومالكاً لتحف وقطع فنية، الذين يشاركون في معرض آرت بازل هذا الشهر في هونغ كونغ، سيتجنبون عرض أي أعمال فنية تتعلق بقانون الأمن القومي الذي فرضته بكين لعام 2020 ونتجت عنه حملة قمع كبيرة لحرية التعبير في المستعمرة البريطانية السابقة. إذ اعتقل ما لا يقل عن 260 شخصًا بموجب هذا القانون.
يؤكد آرت بازل أنه لا يدقق رسمياً في محتوى الأعمال في معارضه. تقول مديرة المعرض في هونغ كونغ أنجيل سيانغ لو: "لا تخضع العروض عندنا لأي عمليات موافقة مسبقة... وهذه هي الحال مع جميع معارض آرت بازل حول العالم، فإن لجنة الاختيار لدينا مسؤولة عن مراجعة الطلبات واختيار الأعمال فقط بناءً على جودة عرض جناحها وقوة برنامجها على مدار العام". مع ذلك، يقول أحد العارضين المنتظمين في معرض هونغ كونغ، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لـThe Art Newspaper، إن التجار حريصون على عدم عرض الأعمال التي قد تثير غضب السلطات المحلية.
يقول جوليان ستالبراس، الأستاذ السابق في معهد كورتولد للفنون ومؤلف كتاب High Art Lite: The Rise and Fall of Young British Art: "لقد أصبح الفن مجرد شكل آخر من أشكال الاستثمار... الفنانون ذوي العلامات التجارية الشهيرة يجعلون العمل سهلاً ومناسباً مع السوق"، بمعنى أنه لا يسبب مشاكل للجهة العارضة. ويضيف: "لكي ترى فنًا يمكنه مواجهة التحديات السياسية في الوقت الحالي (وهو معيار عالٍ لأي فن)، يتعين على المرء أن ينظر خارج المعارض الفنية والمعارض التجارية الكبرى".

حرب الإبادة في غزة

أربكت حرب الإبادة في غزة عالم الفنون والأوساط الثقافية خصوصاً في الغرب، فألغيت عشرات المعارض، وأزيلت لوحات، وانتهت التعاقدات مع فنانين، كلها بسبب التضامن مع الفلسطينيين في وجه آلة الموت الإسرائيلية. مثلاً، أزال معهد الفن المعاصر (ICA)، في ميامي، لوحة تصوّرالمفكر الفلسطيني ــ الأميركي إدوارد سعيد قبل حفل جمع تبرعات أقيم مطلع هذا الشهر، ثمّ أعادها لاحقاً، ما أثار علامات استفهام عدة حول أسباب هذه الخطوة في سياق حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

اللوحة التي تظهر سعيد هي جزء من سلسلة لوحات للرسام تشارلز غينز، رسمها عام 2018، وتتضمن 12 بورتريه
ضمن سلسلة تاريخ الفكر الثوري.
كذلك واجه متحف آندي وارهول في بيتسبرغ (بنسلفانيا) انتقادات، بعدما عرض نصّاً على أحد جدرانه، ذكر فيه أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي شكّل "بداية الصراع في الشرق الأوسط"، في تجاهل تام لأكثر من 75 عاماً من الاستعمار والمجازر والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

المساهمون